حوار| مخرج “أناشيد آدم”: الأوطان لا تشيب والفيلم غير مأخوذ من أي أسطورة
12:15 ص
الجمعة 27 ديسمبر 2024
جدة منى الموجي:
فيلم يأسرك ويملك عليك تفكيرك كالأساطير، تنغمس في قصته ولا تنفصل عنها، تضع نفسك مكان البطل (آدم) أو على الأقل تصبح أحد المدافعين عنه، يجعلك تتطرح الأسئلة دون توقف وحتى دون انتظار إجابات عليها، هو “أناشيد آدم” للمخرج العراقي عدي رشيد وهو أيضا كاتب العمل، الذي فاز الفيلم بجائزة اليُسر كأفضل سيناريو في الدورة الرابعة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وكان لـ”مصراوي” الحوار التالي مع مخرجه ومؤلفه..
كيف وجدت استقبال جمهور مهرجان البحر الأحمر السينمائي لفيلم “أناشيد آدم”؟
في البداية، أحب أن أعبر عن سعادتي بالتواجد في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، خاصة وأن الفيلم كان قد حصل على منحة ما بعد الإنتاج منه، فالمهرجان ساهم كثيرا في إنجازه بصورة طيبة وبالطريقة التي كنت أتمناها.
رأيت أن الجمهور استشعر الفيلم وفهموه بعد ذلك، والأسئلة التي وجهت لي كانت من العمق وتؤكد أن التواصل كان على مستوى عالي، فالموضوع لمسهم ولمس وجودهم الإنساني، ولمس لدى بعض العراقيين وجودهم الوطني من الداخل وتطرق لعلاقتهم بالزمان والمكان، من خلال 70 عاما، إذ يمر الفيلم بمراحل تاريخية عديدة وصولا للتاريخ العراقي المعاصر.
بعض القراءات رأت أن هدفك من الفيلم التأكيد على أن العراق لا يشيب.. هل قصدت هذا المعنى؟
الأوطان كلها لا تشيب وأولهم (أم الدنيا) طبعا، لكن حقيقة هذه قراءة شخصية من قبل بعض الأصدقاء أنا لم أقصدها، أنا أصنع فيلم عن شخصية وهي دم ولحم وللجمهور مطلق الحرية أن يضع عليها أي رمز، علاقة المتفرج كمتلقي بما أصنع لا أتدخل فيها ولكن أنا نيتي أن هذه حكاية آدم الطفل البريء الموجود بداخل واحد أو واحدة على هذا الكوكب بغض النظر عن هويته وعن دينه وعن انتماءاته وبغض النظر عن الوطن. هذه الحكاية في العراق والعراق قد مر بما مر به وهذه القراءة قد تكون صائبة عند الآخرين، لكن أنا لم أنطلق منها شخصيا.
وهل العمل مأخوذ عن أسطورة عراقية؟
هو محاولة أن أخلق أسطورة. أنا مولود في بلد الأساطير، والسنوات التي تربيت فيها في العراق كانت الأسطورة زاد يومي، لكن لم نأخذ الفيلم من أي أسطورة، يمكنني القول إن في مشهد الغجر هناك اسم شخصية مثلا سيدوري أخذته من ملحمة جلجامش سيدة الحانة، وكذلك بعض الجمل، مثلا عندما تقول الغجرية (املأ بطنك واشبع) موجودة في الملحمة، يعني أحاول إعادة انتاج الملحمة بداخلي لإنتاج قصة جديدة.
أين تم تصوير الفيلم خاصة المشاهد الأولى للمكان الذي ولد ونشأ فيه آدم؟
تم تصويره في محافظة الأنبار في ضواحي مدينة هيت العريقة، وهي من أوائل المدن أعتقد أو أول مدينة في العالم، أو ربما قرية من قراها كانت أول مدينة في العالم، وكنت أبحث عن مكان مناسب جماليا ودراميا ومن ثم فلسفيا، فهذا الفيلم قائم على مفهوم الثنائيات المتناقضة (الارتواء والعطش، البلوغ والطفولة، البراءة والحدة)، كان يهمني جدا أن أكون في منطقة صحراوية يخترقها نهرا، ليصبح الجمهور في الخضرة على محازاة الصحراء.
جعلت البطل مختلفا وهو ما عرضه لكثير من المشاكل والرفض ممن حوله..
أي مجتمع أو أي بيئة محيطة بالإنسان هي محكمة أخلاقية تنتقل عبر الزمن، هذا السياق وقرار آدم ألا يكبر أربك هذه المحكمة، وحاولوا محاكمته عبر المفاهيم الدينية لم ينجحوا ثم محاكمته عبر العلم فإن لم يكن ممسوسا بالشيطان فهو في حاجة لعلاج، وآدم لم يكن يعاني من الاثنين هو مختلف، لكن أنا مُصر على أن فكرة الاختلاف هي أول فكر وجذر لأي تغيير، وفي أي مجتمع علينا أن نصر عليه حتى وإن دفعنا ثمنه غاليا.
ما هي خطوة الفيلم المُقبلة؟
أنجزنا الفيلم قبل 3 أسايع من انطلاق مهرجان البحر الأحمر، وحاليا هناك حوارات للبحث عن جهة توزيعية مناسبة لتأخذ هذا الفيلم لمكان يليق به، صحيح تهمني المهرجانات كمثقف وسينمائي لكن يهمني في الأساس علاقته بالجمهور، وأن نوفر فرصة مثالية لهم ليشاهدونه.
لماذا لا ينتشر الفيلم العراقي ولا نشاهده في مصر على سبيل المثال؟
القضية توزيعية بالأساس، هي مسؤولية مشتركة بين الصانع والموزع، أنا تربيت على سينما شادي عبدالسلام وعلي بدرخان ويوسف شاهين، كانوا جزء من تكويني الشخصي كسينمائي وإنسان، فالسؤال هل الموزع مستعد لخوض مغامرة وخاصة أن أفلامنا غير مكلفة، متأكد أن الجمهور المصري والتونسي والعربي سيحبون الفيلم .
قصة أناشيد آدم
إنّها السّنة 1946. وفي ظلّ الأوامر الصّارمة لوالدهم، يجبر “آدم” شقيقه الأصغر “علي” على مشاهدة غسل جثّة جدّهما قبل الدّفن. ويتمّ استبعاد ابنة عمّهما “إيمان”، رفيقتهما الدّائمة في اللّعب، عن الطّقوس لأنّها فتاة. تؤثّر رؤية الجثّة بشكل عميق على “آدم”، ويعلن أنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللّحظة، يتوقّف عن التقدم في السّنّ. ومع مرور السنين، يبدأ القرويون في الاعتقاد أن “آدم” ملعون، بينما يشعر شقيقه، الذي يكافح شيخوخته الخاصّة، أنه يجب وضع “آدم” في مؤسسة. إلا أنّ “إيمان” و”أنكي”، الراعي وصديق “آدم” المقرب مدى الحياة، يريان وحدهما حالته كنعمة، إذ يحافظ على نقاء وبراءة الطّفل الّذي في داخله.