مطار بغداد.. طريق أحمد الشرع الى القِمّة

أثارت الصورة الثلاثية الجامعة بين أمر قطر الحكيم ” تميم بن حمد آل ثاني” والرئيسين السوري ” أحمد الشرع” والوزراء العراقي ” محمد السوداني”، كماً هائلاً من الأسئلة التعجبية في العراق، ليس من كل العراقيين، وإنما من جهات معينة وهي الأطراف الحاكمة من الإطار الشيعي، مع أنّ السوداني هو ممثلهم في قيادة الحكومة. لكن أكثر ما أثار الضجة ومازال، هو دعوته الى الحضور الى بغداد للمشاركة في القِمّة العربية، بغداد الحكومة التي ترى في الشرع متهماً صادراً بحقه قرار الاعتقال.
الهدف من كتابة هذه الأسطر هو التحليل من دون تأيد طرف، مع الإقرار بأن السياسة في العالم الراهن تتحمل كل شيء، بما أن المصلحة هي التي تحددها، فما الكامن وراء موقف الرافضين من التقارب مع دمشق؟
• إن المنزعجين من دعوة الشرع هم من الفصائل المسلحة، والأطر السياسة القريبة منهم، أو ممن يرون في أنفسهم ممثل الشيعة والدولة العميقة، وعند التفكير يمكن ذكر الأسباب التالية لموقفهم الممتعض:
الشعور بالإنكسار، لقد حاولت الفصائل تلك، خلال السنوات الخمسة عشر الماضية الإبقاء على النظام البعثي الحاكم في سورية، وشاركت الجيش والمسلحين التابعين للنظام في التصدي للثائرين من الشعب السوري، فسقوطه لم يكن محل القبول بالنسبة اليهم، لأنهم لم يكونو يرون الأسباب الداعية لإسقاطه وجيهاً، على خلاف ما كان يرونه في النظام البعثي العراقي، علماً أن النظامين من حيث طبيعة الحكم والعلاقة مع الشعب في مستوى واحد من السوء، أي أنهم خسروا نظاماً حليفاً ضمن محور يعرف بمحور المقاومة، كما أن الدماء التي قدمت من أجل وأد الثورة أو الحركة التغييرية السورية ذهبت هدراً.
الإنسجام مع السياسة الإيرانية في المنطقة، وهذا شيء غير مخفيّ، ولا يخفونه، فهم يرون في طهران قائدة محور المقاومة، وسوريا الأسد الضلع الأهم الرابط بين أطرافها جغرافياً، كما أن قادة الحرس الثوري قادوا السند الشعبي الشيعي للنظام السوري السابق، وهم من جاءوا بالشباب من أفغانستان وباكستان ومن العراق، لخوض معركة المقاومة على الأراضي السورية، وإذا كان الأمر هكذا، فإن السياسة الإيرانية تجاه النظام السوري الجديد هي الرفض و الحدّ من تطبيعه كنظام حاكم جاء على أنقاض نظام كان حليفاً في كل شيء، علماً أن السنوات الأخيرة من حياته كانت على خلاف مع طهران.
الطائفية، أو النظر الى الشرع وطبيعة الحركة التي قادها بأنها نظام مناويء من حيث الجوهر، فهيئة تحرير الشام، وسابقتها جبهة النصرة التي كانت مُبايعَة لأيمن الظواهري، هي التي أمام عيون العراقيين الرافضين لمجيء الشرع، خسارة بشار لم تكن خسارة نظام سياسي فحسب وإنما خسارة نظام كان محكوماً من الأقلية العلوية المندرجة ضمن الإطار العام للفكر الشيعي، مع أن الرجل كان بينه وبين الدين ما بين السماء والأرض، بعثي علماني، الدين كان عنده مناسبات فقط، لكن إذا كان متوقعاً إتخاذ موقف مذهبي إزاء الشرع ممن يصفون أنفسهم بأنهم جيش عقائدي، فإن الغرابة كبيرة من موقف العلماني الليبرالي أياد علاوي والكلمات الطائفية أو الدينية التي قالها، علاوي قال إنه ضد مجيء ودعوة الشرع الى بغداد لأنّ حركته أموية وهو أموي، إنه يمثل الحالة الأموية، معروف بأن أياد علاوي شيعي، لكنه كان على خلاف مع الكيانات الشيعية العراقية وعلى خصومة مع الإيرانيين، وهم يرون فيه بقايا البعث البائد، لكنه نطق بكلمات حتى المتشددين من أصحاب الدروس الحسينية لم يقولوها بتلك الصراحة.
• أما عن المضايقات التي تعرض لها السوداني بدعوته الشرع الى بغداد، ليكون في القِمّة، فقد يستغل من المناوئين السياسيين له، ويكون شعاراً إنتخابياً في الشهور المقبلة، لكن هناك أمور تسعفه:
إن الدعوة ليست من الدولة العراقية، وإنما من الجامعة العربية، فالدولة المضيفة ليس لها من بدّ سوى توجيه الدعوات إلى كل قادة ورؤساء وأمراء وملوك الدول الأعضاء في الجامعة العربية، إلا إذا كان الموقف من الجامعة موقفاً سلبياً من قائد ما وبالتالي رفض حضوره، تحديداً من الدول العربية ذات وزن وتأثير، وهذا لا ينطبق على الشرع.
ليس كل العراقيين رافضين لمجيء الشرع الى بغداد، السنة والكرد ليس لديهم اعتراض، كما أن العلاقة بين قادة إقليم كوردستان والشرع موجودة، وليس كل الإطار الشيعي أيضاً من الرافضين، هناك أسماء معتبرة تقبل أو تتفهم توجيه الدعوة له، مثل عمار الحكيم، وهذا يخفف على السوداني الحرج الذي تعرض له من الفصائل وعدد من الشخصيات السياسية من ذوات الوزن والتأثير في الساحة الشيعية.
سياسة العراق، أو هويته التي يتحرك بها في المنطقة ذات لون ديني شيعي، ما يفسر التواصل بينه وبين الحوثيين واللبنانيين، وقديما مع السوريين، والعلاقة مع هيئات معينة في البحرين، خلال الأيام التالية لإنشغال الاعلام العراقي بمجيء الشرع إستقبل رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني في 2242025 رئيس الطائفة العلوية في سوريا الشيخ عبد الله نظام، قد لا يكون مقصوداً إستقباله في هذا الوقت، لكنه يثبت قرب الحكومة العراقية من الشيعة في سوريا ويخفف من المعارضة التي يواجهها السوداني، وقد يكون العراق وسيطاً بين الأقلية العلوية والنظام السوري أو ناقلاً رسائل ومطالب شيخهم الى القيادة في دمشق، بمعنى قد يكون العلويون نقطة قوة إنتخابية للسوداني في المرحلة القريبة المقبلة.
• لكن إلى متى يستمر هذا التوتر أو القلق والإرتباك العراقي في الموقف تجاه دمشق بنظام حكمه الجديد؟ متى يمكن تجاوز ذلك؟
في الحقيقة المسار العام للسياسة هو التعامل والتعاون، فالبلدان محتاجان لبعضهما في التعامل الأمني والتجاري أكثر من الحاجة لبلدان أخرى، والمدقق يرى أن الحاكمين في بغداد يريدون التأقلم مع الشرع، لكنهم بحاجة الى الوقت، لهذا يأتي التحرك خجولاً، وقد يحتاجون الى المساعدة ورفع الحرج عنهما كما فعل أمير قطر، فالشيخ تميم لم يساعد الشرع على التطبيع مع العراق وإنما ساعد العراق على تجاوز الحساسية النفسية تجاه الشرع أيضاً، وقد تتجاوز الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق مأزق الشرع عند حالتين:
تغليب مصلحة العراق كدولة وشعب على حساسيات تاريخية أو عقد فكرية، والتفكير بعقلية الدولة وليس أجنحة سياسية، كما الإيرانيون يفعلون.
التقليل من التماهي مع السياسة الإيرانية في المنطقة، وفكّ مصلحة العراق عن مصلحة إيران، والنظر الى العراق كبلد مستقل وندّ لكل الدول المجاورة وغير المجاورة.
المصدر: العمق المغربي