تسنَّى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تلقَّى دعوةً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن يضع زيارته لواشنطن في نهاية ديسمبر الحالي في سياق استراتيجي، حيث من المتوقع أن يجتمع الطرفان لمناقشة قضايا إقليمية حساسة. هذه الزيارة، التي تستمر 8 أيام، تأتي في وقت يواجه فيه نتنياهو تحديات داخلية وخارجية، وتعتبر فرصة لتعزيز العلاقات مع إدارة ترمب، خاصةً في ظل التطورات الجارية في غزة وسوريا وإيران. وتُعد هذه الزيارة محاولة من نتنياهو لتجنب أي خلافات مع ترمب، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقة بينهما.
ومن المقرر أن يلتقي ترمب ونتنياهو في 28 ديسمبر الحالي، في مستهل الزيارة، وفقاً لتقارير غير رسمية. وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة لأنها ستضع نتنياهو في الولايات المتحدة خلال احتفالات رأس السنة الجديدة، مما يعكس حرصه على الحفاظ على علاقة وثيقة مع الإدارة الأميركية الحالية. وتأتي هذه الزيارة في ظل تقييمات متزايدة لأهمية العلاقة بين إسرائيل والإدارة الأميركية في ظل التغيرات الجيوسياسية.
العلاقة بين نتنياهو وترمب: ديناميكيات جديدة في السياسة الخارجية
لطالما تميزت العلاقة بين نتنياهو والرؤساء الأميركيين المتعاقبين بالتعقيد، مع وجود خلافات في الرأي حول قضايا رئيسية مثل العملية الفلسطينية. ومع ذلك، يبدو أن العلاقة مع ترمب مختلفة، حيث شهدت دعماً أميركياً قوياً لإسرائيل في عدة ملفات. ويرى مراقبون أن ترمب يمثل شريكاً أكثر توافقاً مع رؤى نتنياهو، مما يتيح له هامشاً أكبر للمناورة في المنطقة.
منذ توليه منصبه للمرة الأولى عام 1996، تعامل نتنياهو مع رؤساء أميركيين مختلفين، ولكل منهم أسلوبه الخاص في التعامل مع الملفات الإقليمية. وقد شهدت علاقاته مع بعضهم، مثل بيل كلينتون وباراك أوباما، توترات وخلافات علنية، بينما كانت علاقته مع ترمب أكثر سلاسة. لكن هذه السلاسة لا تعني غياب التحديات، حيث يواجه نتنياهو الآن ضغوطاً أميركية متزايدة للتعامل مع قضايا معقدة مثل الوضع في غزة والتهديدات الإيرانية.
ملفات شائكة على طاولة المفاوضات
تتصدر القضية الفلسطينية وحرب غزة قائمة الملفات الشائكة التي من المتوقع أن يناقشها ترمب ونتنياهو. وتشير التقارير إلى أن الإدارة الأميركية تضغط على إسرائيل للتوصل إلى حل سياسي يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الاستقرار في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتم بحث الوضع في سوريا، خاصةً في ظل التوترات المتزايدة بين إسرائيل وإيران.
كما أن الملف الإيراني يمثل محوراً رئيسياً للقلق بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة. وتتهم كلتا الدول إيران بدعم الإرهاب وتطوير برنامج نووي يهدد الأمن الإقليمي والدولي. ومن المتوقع أن يتبادل ترمب ونتنياهو وجهات النظر حول كيفية التعامل مع هذا التهديد، بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات إضافية على إيران أو اتخاذ إجراءات عسكرية.
وفيما يتعلق بلبنان، يرى بعض المحللين أن هذا البلد يشكل “خاصرة رخوة” في محاولات أميركا لإعادة رسم التوازنات في المنطقة. وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة قلقة بشأن نفوذ حزب الله في لبنان، وتدعو إلى نزع سلاحه وضمان استقرار البلاد.
توقعات وتحذيرات من خبراء السياسة الخارجية
يرى إيتان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، أن نتنياهو يجب أن يكون حذراً في تعامله مع ترمب، الذي “قد يتخلى عنك إذا شعر بأنك لم تعد شخصاً ذا فائدة له”. ويشير غولدريتش إلى أن ترمب يختلف عن الرؤساء الأميركيين السابقين في أسلوبه وتعاملاته، وأنه لا يتردد في اتخاذ قرارات جريئة قد لا تتفق مع المصالح الإسرائيلية التقليدية.
من جانبه، يعتقد آرون ديفيد ميلر، خبير الشرق الأوسط، أن ترمب “يختلف عن أي رئيس أميركي آخر في معظم الأمور”. ويؤكد أن ترمب قام خلال ولايته بسلسلة من المبادرات والسياسات المؤيدة لإسرائيل، لكنه في الوقت ذاته تعامل مع نتنياهو بطريقة “أشد صرامة وحزماً”. ويحذر ميلر من أن ترمب قد يطلب من إسرائيل تقديم تنازلات في سبيل تحقيق أهداف سياسية أخرى.
ويضيف ديفيد داود، خبير شؤون لبنان وحزب الله، أن ترمب “قد يكون محقاً في قوله إنه تاريخياً أكثر رئيس أميركي مؤيد لإسرائيل”. لكنه يحذر من أن هذا الدعم قد يكون مشروطاً، وأن ترمب قد يضغط على إسرائيل للتحرك في اتجاهات لا تتفق مع مصالحها.
في الختام، من المتوقع أن تكون زيارة نتنياهو لواشنطن فرصة لمناقشة قضايا إقليمية حاسمة، وتعزيز العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأميركية. ومع ذلك، يجب أن يكون نتنياهو مستعداً لمواجهة ضغوط أميركية متزايدة، وتقديم تنازلات في سبيل تحقيق الاستقرار في المنطقة. وستركز الأيام القليلة القادمة على تفاصيل اللقاء بين الطرفين، وردود الفعل الإقليمية والدولية على نتائج هذه الزيارة، مع الأخذ في الاعتبار أن الوضع في غزة وسوريا وإيران لا يزال متقلباً وغير مؤكد.
