دخلت بعثة إنسانية تابعة للأمم المتحدة مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، السودان، للمرة الأولى منذ أكثر من 18 شهرًا، في محاولة لتقييم الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين من القتال الدائر. يأتي هذا التطور بعد حصار طويل فرضته قوات الدعم السريع، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة في المدينة. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة بصيص أمل وسط الوضع الكارثي الذي تعيشه الفاشر.
الوضع الإنساني في الفاشر: بعثة أممية تدخل المدينة المنكوبة
أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وصول البعثة التقييمية إلى الفاشر بعد مفاوضات مطولة مع الأطراف المتنازعة. تهدف البعثة إلى تحديد حجم الاحتياجات الغذائية والصحية للأطفال والبالغين في المدينة، والتي تدهورت بشكل كبير خلال فترة الحصار. وتضم البعثة فرقًا من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وقد أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على الفاشر في أواخر أكتوبر الماضي، بعد معارك عنيفة استمرت لأشهر. تسببت هذه المعارك في نزوح واسع النطاق للسكان، ونقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والخدمات الأساسية. وتشير التقارير إلى وقوع انتهاكات حقوقية خطيرة خلال القتال، بما في ذلك القتل والاختطاف والعنف الجنسي.
ترحيب دولي ومطالبات بفتح ممرات إنسانية
رحب كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول البعثة الأممية، واصفًا إياه بأنه دليل على الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنقاذ الأرواح. وأشار بولس إلى أن هذا الوصول كان نتيجة لمفاوضات استمرت لعدة أشهر، بدعم من أوتشا والشركاء الإنسانيين الآخرين. ودعا بولس إلى إعلان هدنة إنسانية شاملة في السودان، لضمان وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين دون عوائق.
من جانبها، أعلنت قوات “حكومة تأسيس” الموالية لقوات الدعم السريع استعدادها لتأمين وتسهيل العمل الإنساني في إقليم دارفور وكردفان. وقالت إن زيارة البعثة الأممية شملت مراكز النزوح والمرافق الحيوية في الفاشر. لم يصدر تعليق رسمي من الجيش السوداني حتى الآن بشأن دخول البعثة إلى المدينة.
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه السودان أزمة إنسانية متصاعدة، حيث يحتاج الملايين إلى المساعدة العاجلة. وتعتبر مدينة الفاشر من بين المناطق الأكثر تضررًا، نظرًا للحصار الطويل والقتال العنيف الذي شهدته. الوضع في الفاشر يثير قلقًا بالغًا على المجتمع الدولي.
تصعيد حدودي وتوترات مع تشاد
في سياق متصل، اتهم الجيش التشادي قوات الدعم السريع بشن هجوم بطائرة مسيرة على بلدة الطينة الحدودية. وأسفر الهجوم عن مقتل جنديين تشاديين وإصابة آخر. ووصفت هيئة الأركان العامة التشادية الهجوم بأنه “متعمد” و”انتهاك واضح” للقانون الدولي. وأكدت تشاد حقها في الرد على أي اعتداء على أراضيها، مشيرة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
يأتي هذا الهجوم في ظل تصاعد التوترات الحدودية بين السودان وتشاد، بسبب تدفق اللاجئين السودانيين إلى الأراضي التشادية هربًا من القتال. وتتهم تشاد قوات الدعم السريع بدعم جماعات مسلحة تنشط في منطقة الحدود. الأزمة في السودان تؤثر بشكل مباشر على دول الجوار.
اللاجئون السودانيون يواجهون ظروفًا معيشية صعبة في مخيمات اللاجئين في تشاد، حيث يعانون من نقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية. وتدعو المنظمات الإنسانية إلى زيادة الدعم المقدم للاجئين، وتوفير الحماية لهم.
المساعدات الإنسانية ضرورية لتخفيف معاناة السكان المتضررين في الفاشر وبقية مناطق السودان. ومع ذلك، فإن وصول هذه المساعدات يواجه تحديات كبيرة، بسبب استمرار القتال والعقبات التي تضعها الأطراف المتنازعة.
من المتوقع أن تقدم البعثة الأممية تقريرًا مفصلًا عن الوضع الإنساني في الفاشر خلال الأيام القليلة القادمة. سيعتمد حجم ونوع المساعدات التي سيتم تقديمها على نتائج هذا التقرير. يبقى الوضع في السودان غير مستقر، ويتطلب جهودًا مكثفة من المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سلمي للأزمة.
