كانوا من كبار قادة الاستخبارات والجيش في عهد الرئيس بشار الأسد، وأشرفوا على قمع واسع النطاق للاحتجاجات الشعبية في سوريا لأكثر من عقد من الزمان. والآن، بعد مرور عام على فرارهم عقب التغييرات السياسية الأخيرة، يخطط هؤلاء القادة لزعزعة استقرار الحكومة الجديدة، وربما استعادة بعض النفوذ في البلاد. وتثير هذه التحركات تساؤلات حول مستقبل سوريا، واحتمالية نشوب صراعات جديدة، واستقرار المنطقة.

تُظهر تحقيقات صحفية، بما في ذلك مقابلات مع أطراف معنية وتحليل لمراسلات خاصة، أن هؤلاء المسؤولين السابقين عازمون على إعادة بسط نفوذهم في سوريا، التي لا تزال تعاني من التوترات العميقة بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب الأهلية. وتشير الأدلة إلى أنهم يعملون على بناء حركة تمرد، وتعبئة الدعم المالي والسياسي، بهدف التأثير على مسار الأحداث في البلاد.

جهود إعادة التنظيم من المنفى

تتركز جهود إعادة التنظيم حول شخصيات بارزة مثل سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق، وكمال حسن، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية. وكلاهما يخضع لعقوبات دولية بسبب اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب. وتكشف المراسلات التي تم الحصول عليها عن توزيع أموال، وتجنيد مقاتلين، وشراء أسلحة، بهدف إعداد البنية التحتية اللازمة لعمليات مستقبلية.

يُركز بعض هؤلاء القادة على السيطرة على المناطق الساحلية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وكبار قادته. ويستند هذا التوجه إلى الاعتقاد بأن هذه المناطق تمثل قاعدة دعم قوية، ويمكن أن تكون نقطة انطلاق لعمليات أوسع نطاقًا. ومع ذلك، فإن هذا الطموح يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك المعارضة المحتملة من الفصائل الأخرى، والمخاوف من ردود فعل دولية.

تجنيد المقاتلين وتأمين التمويل

أظهرت مراسلات نصية ومكالمات هاتفية تم اعتراضُها أن سهيل الحسن، على سبيل المثال، كان يخطط للعودة إلى سوريا وتعبئة مقاتلين من الطائفة العلوية. وقد قام بتوزيع مبالغ مالية على القادة المحليين والمقاتلين المحتملين، وقام بشراء معدات اتصالات وأسلحة. وتشير التقارير إلى أن كمال حسن يقدم أيضًا دعمًا ماليًا لأنصاره، ويعمل على بناء شبكة نفوذ في المنطقة الساحلية.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هؤلاء القادة يسعون للحصول على دعم من جهات خارجية، بما في ذلك دول إقليمية ومجموعات مسلحة. وتشير بعض المصادر إلى وجود اتصالات مع جهات إيرانية، بهدف تأمين التمويل والأسلحة. كما أن هناك تقارير عن لقاءات مع قادة ميليشيات عراقية، لمناقشة طرق تهريب الأسلحة إلى سوريا.

الضغط السياسي والدعم الخارجي

لا تقتصر جهود هؤلاء القادة على الجانب العسكري، بل تشمل أيضًا الضغط السياسي والدبلوماسي. وقد أنشأ كمال حسن منظمة تسمى “مؤسسة تطوير سوريا الغربية”، والتي تهدف إلى تمثيل مصالح الأقليات السورية، وخاصة العلوية، في المحافل الدولية. وتعمل هذه المنظمة على بناء علاقات مع مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، بهدف التأثير على السياسات المتعلقة بسوريا.

وقد استعانت “مؤسسة تطوير سوريا الغربية” بشركة الضغط السياسي الأمريكية “تايغر هيل بارتنرز” لتمثيلها في واشنطن. وتقدر قيمة عقد هذه الشركة بمبلغ مليون دولار، وتشمل خدماتها التواصل مع أعضاء الكونجرس، وتنظيم حملات توعية، وتقديم المشورة الاستراتيجية. ويثير هذا التعاون تساؤلات حول مدى تأثير هذه الجهود على السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

ردود الفعل السورية والمخاوف الإقليمية

تقلل السلطات السورية من خطورة هذا التهديد، مؤكدة أنها قادرة على التعامل مع أي محاولات لزعزعة الاستقرار. ومع ذلك، يعرب بعض المحللين عن قلقهم من أن هذه الجهود قد تؤدي إلى تصعيد العنف، وتعميق الانقسامات الطائفية، وتقويض جهود السلام والمصالحة. كما أن هناك مخاوف إقليمية من أن يؤدي هذا الوضع إلى تدخلات خارجية، وتفاقم الأزمة السورية.

تتزايد المخاوف من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى نشوب صراع جديد في سوريا، خاصة في المناطق الساحلية. ويخشى البعض من أن يؤدي هذا الصراع إلى موجة جديدة من اللاجئين، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وتصاعد التوترات الإقليمية.

في الختام، يبقى الوضع في سوريا معقدًا وغير مؤكد. من المتوقع أن تستمر جهود إعادة التنظيم من قبل المسؤولين السابقين، وأن تزداد الضغوط السياسية والدبلوماسية. ويجب على المجتمع الدولي أن يراقب الوضع عن كثب، وأن يعمل على منع التصعيد، ودعم جهود السلام والمصالحة. وستكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث في سوريا، وما إذا كانت ستشهد صراعًا جديدًا أم لا.

شاركها.