فيلم “الأراضي الفارغة” للمخرج المصري كريم الدين الألفي، والذي حاز على جائزة “اليُسر الفضّية للفيلم القصير” في الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يمثل إضافة نوعية للسينما العربية القصيرة. الفيلم، الذي يتناول قضايا معقدة مثل الاقتلاع والذاكرة والهوية، يقدم رؤية فنية مميزة من خلال قصة مشوقة تدور أحداثها في عالم رمزي يثير التساؤلات حول الواقع الذي نعيشه. هذا العمل السينمائي يبرز أهمية دعم الأصوات الجديدة في صناعة الأفلام.

الفيلم القصير يروي قصة “غوستاف” وزوجته “آنا” اللذين ينتقلان إلى منزل مدعوم من الدولة في منطقة معزولة تُعرف باسم “الأراضي الفارغة”، ليكتشفا تاريخاً مظلماً يحيط بهذا المكان، وتحديداً مصير عائلة كانت تسكنه سابقاً. هذا الاكتشاف يثير لديهما القلق والشك، ويضعهما أمام خيارات صعبة تتعلق بالصمت أو مواجهة الحقيقة.

رؤية فنية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي

أوضح كريم الألفي أن فكرة الفيلم نبعت خلال فترة دراسته في الولايات المتحدة، حيث تأثر بالمشاهد المتعلقة بالاستعمار والاستيطان، والتي وجد فيها صدىً لقضايا مماثلة في المنطقة العربية. ولكنه لم يرغب في تقديم معالجة مباشرة لهذه القضايا، بل فضل استخدام الرمزية والخيال لخلق عالم موازٍ يسمح بتجريد الفكرة وتقديمها بشكل أكثر قوة وتأثيراً. هذا النهج الفني ساهم في تميز الفيلم وجذب انتباه لجنة التحكيم في مهرجان البحر الأحمر.

تحديات الإنتاج والإخراج

لم تخلُ عملية إنتاج الفيلم من التحديات، خاصةً فيما يتعلق باختيار مواقع التصوير المناسبة التي تعكس الحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث. واجه فريق الإنتاج صعوبة في العثور على مبانٍ قديمة في لوس أنجليس، مما استدعى بذل جهود إضافية لإعادة تشكيل الفضاء البصري بما يخدم رؤية المخرج. بالإضافة إلى ذلك، تطلب العمل مع الممثلين تقديم توجيهات دقيقة لتحقيق الأداء المطلوب في هذا العالم المتخيل.

واجه الألفي تحديات في التمويل، حيث اعتمد على شبكة علاقاته السابقة في مجال الإنتاج، مستفيداً من تجربته في مسلسل “نسر السين”. ورغم ضيق الوقت، تمكن من إنجاز الفيلم في إطار أكاديمي كجزء من مشروع التخرج في جامعة جنوب كاليفورنيا. هذا الإنجاز يعكس شغفه بالسينما وقدرته على التغلب على الصعاب.

اختيار اللغة الإنجليزية للفيلم كان قراراً واعياً يهدف إلى الوصول إلى جمهور أوسع، وتقديم القضايا التي يطرحها الفيلم إلى منظور مختلف. ويرى الألفي أن هذا الفيلم يمكن أن يثير نقاشاً مهماً حول قضايا الهوية والاقتلاع في سياق عالمي.

أكد المخرج على أهمية مهرجان البحر الأحمر السينمائي كمنصة لدعم الأفلام القصيرة والأصوات السينمائية الجديدة في المنطقة العربية. وأشار إلى أن المهرجان يوفر مساحة حقيقية لعرض التجارب السينمائية المختلفة، وتشجيع الحوار وتبادل الأفكار.

أهمية دعم السينما القصيرة

يعتبر فوز “الأراضي الفارغة” بجائزة “اليُسر الفضّية” بمثابة اعتراف بأهمية السينما القصيرة كشكل فني مستقل وقادر على تقديم أعمال ذات قيمة فنية وفكرية عالية. السينما القصيرة غالباً ما تكون نقطة انطلاق للمخرجين الشباب، وتوفر لهم فرصة لتجربة أفكار جديدة وتطوير مهاراتهم.

الفيلم يلقي الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية حساسة، مثل التهجير القسري وفقدان الهوية، من خلال قصة إنسانية مؤثرة. هذا النهج يجعله قادراً على التواصل مع الجمهور على مستوى عاطفي وفكري، وإثارة التفكير في هذه القضايا المهمة.

من المتوقع أن يشارك الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية الأخرى، مما سيزيد من فرص عرضه على جمهور أوسع. كما أن كريم الألفي يعمل حالياً على تطوير مشروعه الروائي الطويل الأول، والذي من المتوقع أن يبدأ تصويره في المستقبل القريب. يبقى التحدي الأكبر هو توفير التمويل اللازم لإنجاز هذا المشروع الطموح، وهو ما يتطلب جهوداً متواصلة من المخرج وفريق العمل.

في الختام، يمثل “الأراضي الفارغة” إضافة قيمة للسينما العربية القصيرة، ويبرز أهمية دعم الأصوات الجديدة وتشجيع التجارب السينمائية المختلفة. من المرجح أن نشهد المزيد من الأعمال المتميزة لكريم الألفي في المستقبل، وأن يساهم في إثراء المشهد السينمائي في المنطقة العربية.

شاركها.