يشهد الصومال اليوم، الخميس، حدثًا تاريخيًا باستضافة أول انتخابات محلية مباشرة منذ ستة عقود، حيث يتوجه الناخبون في العاصمة مقديشو وإقليم بنادر إلى مراكز الاقتراع لاختيار أعضاء المجالس المحلية. وتُعد هذه الانتخابات بمثابة اختبار حاسم للحكومة الصومالية، وتقييمًا لمدى استعداد البلاد لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة في عام 2026، وهو هدف يواجه تحديات كبيرة ومعارضة قوية. تأتي هذه الخطوة في ظل جهود متواصلة لتعزيز الديمقراطية والانتقال بنظام الحكم بعيدًا عن المحاصصة القبلية التي هيمنت على المشهد السياسي لعقود.

تعتبر هذه الانتخابات بمثابة نقطة تحول محتملة في مسار الصومال السياسي، حيث تسعى الحكومة الحالية إلى إرساء أسس نظام ديمقراطي أكثر شمولاً واستقرارًا. وقد أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل أكثر من مليون ناخب، وتنافس 1604 مرشحًا على المقاعد المتاحة في المجالس المحلية. وتأتي هذه التطورات بعد تأجيل الانتخابات ثلاث مرات سابقة هذا العام، مما يعكس مدى التعقيدات اللوجستية والسياسية التي واجهت عملية التحضير.

الانتخابات المحلية في مقديشو: محطة مفصلية نحو الديمقراطية

تجري الانتخابات في ست عشرة مديرية ضمن محافظة بنادر، مع نشر قوات أمنية مكثفة لتأمين العملية الانتخابية. وقد أعلنت هيئة الطيران المدني تعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى مقديشو خلال يوم الاقتراع، كإجراء احترازي إضافي. ويأمل المراقبون أن تسهم هذه الانتخابات في تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتقليل الاعتماد على الهياكل القبلية التقليدية.

أكد متحدث اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، عبد الفتاح فيصل حسين، أن التصويت سيجري في 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت موزعة على الدوائر الانتخابية. وأضاف أن اللجنة نشرت حوالي خمسة آلاف موظف للإشراف على العملية وضمان نزاهتها. وتشكل هذه الانتخابات تحديًا لوجستيًا كبيرًا، نظرًا للبنية التحتية المحدودة في البلاد، والظروف الأمنية الهشة.

تأمين الانتخابات وتأثيرها على الحياة اليومية

نشرت الأجهزة الأمنية الصومالية حوالي عشرة آلاف عنصر شرطة لتأمين الانتخابات، وفقًا لتصريح وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل. ويأتي هذا الإجراء في ظل مخاوف من محاولات لتعطيل العملية الانتخابية أو إثارة العنف. وقد أثرت الإجراءات الأمنية على الحياة اليومية في مقديشو، حيث فرضت قيود على حركة المرور والتجمعات العامة.

دعم رئيس الوزراء حمزة عبدي بري إجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشددًا على أهمية المشاركة الشعبية في تحديد المصير السياسي للبلاد. وقاد تجمعًا جماهيريًا في مديرية كاران بمحافظة بنادر، بهدف حشد التأييد للعملية الانتخابية. وتأتي هذه التحركات في إطار جهود الحكومة لتشجيع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، وتعزيز الثقة في العملية الديمقراطية.

موقف المعارضة وتحديات الانتقال الديمقراطي

على الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أنها لا تخلو من التحديات. أعلن “مجلس مستقبل الصومال”، وهو تحالف يضم قوى سياسية معارضة، رفضه للانتخابات المحلية، واصفًا إياها بأنها عملية “أحادية الاتجاه” تفتقر إلى التوافق الوطني. وطالب المجلس الرئيس حسن شيخ محمود بعقد حوار شامل خلال شهر واحد لتجنب “فراغ دستوري” محتمل. تعتبر هذه المعارضة أن الانتخابات لا تعكس الإرادة الحقيقية للشعب، وأنها قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية.

رد الرئيس الصومالي على انتقادات المعارضة، مؤكدًا استعداده للحوار. وأشار إلى أن الحكومة قد استجابت رسميًا لطلب المعارضة بعقد حوار شامل. وحذر في الوقت نفسه من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة. ويظل الحوار هو السبيل الوحيد لتهدئة التوترات السياسية، وتحقيق توافق وطني حول مستقبل البلاد.

تأتي هذه الانتخابات في سياق جدل متصاعد حول الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، والتي تهدف إلى استبدال النظام الحالي القائم على المحاصصة القبلية. ويواجه هذا الهدف تحديات كبيرة، نظرًا للتعقيدات السياسية والاجتماعية في البلاد. وتعتبر هذه الانتخابات المحلية بمثابة اختبار حقيقي لإمكانية الانتقال إلى نظام ديمقراطي أكثر شمولاً واستقرارًا. الانتخابات المحلية في مقديشو هي خطوة أولى نحو تحقيق هذا الهدف الطموح.

من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من التطورات السياسية، بما في ذلك نتائج الانتخابات المحلية، ومفاوضات الحوار بين الحكومة والمعارضة. وسيكون من المهم مراقبة هذه التطورات عن كثب، وتقييم تأثيرها على مستقبل الصومال. وتظل التحديات كبيرة، ولكن هناك أيضًا أمل في أن تتمكن البلاد من تجاوز هذه التحديات، وبناء مستقبل أفضل لشعبها. الوضع السياسي في الصومال لا يزال هشًا، ويتطلب جهودًا متواصلة من جميع الأطراف لتحقيق الاستقرار والتنمية.

شاركها.