أفادت مصادر مطلعة في واشنطن لـ”الشرق الأوسط” بأن المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال براد كوبر يبذلان جهودًا دبلوماسية مكثفة لتهدئة التوترات المتصاعدة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش العربي السوري في محيط مدينة حلب، وذلك في محاولة لمنع أي تصعيد قد يستغلّه تنظيم “داعش” والقوى الإقليمية المعارضة لتحقيق مكاسب.
وتجددت الاشتباكات يوم الاثنين الماضي في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، مع تبادل إطلاق النار بين الطرفين، بعد اتهامات متبادلة بخرق اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة. يأتي هذا في ظلّ مخاوف الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة من فقدان الحكم الذاتي الذي يتمتعون به في شمال شرق سوريا، ورفضهم خطط الاندماج في الحكومة الانتقالية في دمشق.
تصعيد التوترات وتهديد الاستقرار في سوريا
تأتي هذه الاشتباكات في وقت حرج يشهد فيه الوضع السوري هشاشة متزايدة، مع استمرار التحديات الاقتصادية والأمنية. وتخشى واشنطن من أن يؤدي أي تصعيد عسكري إلى إضعاف قدرة الحكومة السورية على مكافحة الإرهاب، وخصوصًا تنظيم “داعش” الذي يحاول استعادة بعض نفوذه في المنطقة.
وتشير التقارير إلى أن إيران تلعب دورًا متزايدًا في هذه التوترات، حيث تسعى إلى تعزيز نفوذها في سوريا والحفاظ على تدفق الأسلحة إلى ميليشياتها التابعة في المنطقة. وتواجه الحكومة السورية الجديدة صعوبات في فرض سيطرتها الكاملة على جميع الأراضي السورية، مما يتيح لإيران فرصة لتقويض جهود الاستقرار.
التدخل الإيراني وتأثيره على الوضع الأمني
كشفت مصادر استخباراتية أمريكية عن تكثيف إيران لجهودها في سوريا، بهدف الحفاظ على طرق إمداد الأسلحة إلى قواتها وميليشياتها، والتكيف مع الإجراءات التي تتخذها دمشق لتفكيك شبكات التهريب. وتشمل هذه الجهود دعم الجماعات المعارضة للحكومة السورية، وتضخيم أصواتها في وسائل الإعلام.
وتتهم إيران أيضًا بتعزيز علاقاتها مع “قسد” من خلال التنسيق مع “حزب الله” اللبناني. وعقد اجتماع سري في بيروت بين ممثلين عن “قسد” و”حزب الله” برئاسة عمار الموسوي، لمناقشة التحديات الأمنية في سوريا، وخلافات “قسد” مع حكومة أحمد الشرع.
طرق تهريب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا
تستخدم إيران عدة طرق لتهريب الأسلحة إلى سوريا، بما في ذلك الطرق البرية والشاحنات، بالإضافة إلى شبكات الأنفاق السرية. وتشير التقارير إلى وجود ثلاثة ممرات رئيسية لتهريب الأسلحة: الأول من بغداد إلى دمشق عبر الرمادي والبوكمال ودير الزور وتدمر، والثاني من طهران عبر البصرة وبغداد والتنف إلى دمشق، والثالث من إيران عبر الموصل والحسكة إلى اللاذقية.
وتشمل الشحنات التي يتم تهريبها عبوات ناسفة، وقذائف هاون، وألغامًا مضادة للدبابات، ومتفجرات بلاستيكية، وصواريخ مضادة للطائرات، وأنظمة دفاع جوي، وقاذفات قنابل يدوية، وطائرات من دون طيار. وتشير التقارير إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني أنشأ شبكة أنفاق تحت الأرض بالقرب من الحدود السورية العراقية في البوكمال، لاستخدامها في نقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان.
جهود الحكومة السورية ومواقف الأطراف المعنية
تبذل السلطات السورية جهودًا حثيثة للتصدي لمحاولات التهريب الإيرانية، وقد أشادت القيادة المركزية الأمريكية بجهود دمشق في اعتراض شحنات متجهة إلى “حزب الله”. ومع ذلك، لا تزال الحكومة السورية تواجه تحديات كبيرة في فرض سيطرتها الكاملة على الحدود، ومنع التهريب عبر أراضيها.
ويرى الخبراء في شؤون الشرق الأوسط أن إيران تسعى إلى إعادة بناء قوات موالية لها في سوريا، واستغلال حالة عدم الاستقرار لتعزيز نفوذها في المنطقة. ويحذرون من أن إيران قد تلجأ إلى التعاون التكتيكي مع الجماعات الجهادية السنية، مثل تنظيم “داعش”، لتحقيق أهدافها.
ويؤكد مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أنه على الرغم من أن انهيار نظام بشار الأسد أمر مشجع، إلا أن هذا لا يعني أن إيران ستتخلى ببساطة عن استخدام سوريا لإعادة تشكيل “حزب الله” في لبنان. ويشير إلى أن رفع العقوبات عن سوريا قد يؤدي إلى زيادة تدفق الأسلحة والمساعدات الإيرانية إلى المنطقة.
من المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية الأمريكية لتهدئة التوترات بين “قسد” والحكومة السورية، ومنع أي تصعيد قد يستغلّه تنظيم “داعش” والقوى الإقليمية. ومع ذلك، لا يزال الوضع في سوريا غير مستقر، وهناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى تفاقم التوترات، بما في ذلك التدخل الإيراني، ومخاوف الأكراد بشأن الحكم الذاتي، والتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها الحكومة السورية. يجب مراقبة تطورات الوضع عن كثب، وتقييم المخاطر المحتملة، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
