قدّمت الحكومة الإيرانية مشروع موازنة العام الجديد بقيمة تتجاوز 107 مليارات دولار أمريكي، أو ما يعادل 14.44 تريليون تومان بالريال الجديد، إلى البرلمان الإيراني. يمثل هذا المشروع أول موازنة رسمية تُعرض بعد حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية، في خطوة تهدف إلى تبسيط النظام المالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. جاء تقديم الموازنة في ظل تحديات اقتصادية كبيرة تواجه البلاد، بما في ذلك التضخم المرتفع وتراجع قيمة العملة.

تفاصيل موازنة العام الجديد وتحدياتها

سلّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مشروع الموازنة إلى رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، مؤكداً على أن الموازنة أُعدت بناءً على مبادئ الشفافية والانضباط المالي، مع مراعاة الواقعية في تقدير الإيرادات والمصروفات. وتتميز هذه الموازنة بتقديمها في صيغة مبسطة، حيث اقتصرت على “مادة واحدة” مع عرض البيانات والأرقام في شكل جداول تفصيلية، وفقاً لوكالة مهر للأنباء.

الوضع الاقتصادي الراهن في إيران

يأتي عرض هذه الموازنة في وقت يشهد فيه الاقتصاد الإيراني ضغوطاً متزايدة. فقد أعلن المصرف المركزي الإيراني في بداية ديسمبر أن معدل التضخم السنوي بلغ 41%، وهو رقم قد لا يعكس بدقة الزيادات الحادة في أسعار السلع الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، سجل الريال الإيراني انخفاضاً تاريخياً أمام الدولار في السوق غير الرسمية، حيث وصل إلى حوالي 1.3 مليون ريال للدولار الواحد، مقارنة بنحو 770 ألف ريال قبل عام.

هذا التراجع السريع في قيمة العملة يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية وارتفاع تكلفة المعيشة على المواطنين الإيرانيين. وتشير التقارير إلى أن الأسر الإيرانية تواجه صعوبات متزايدة في تلبية احتياجاتها الأساسية من الغذاء والدواء والملبس.

العوامل المؤثرة على الموازنة

تتأثر موازنة العام الجديد بعدة عوامل رئيسية، بما في ذلك العقوبات الغربية المفروضة على إيران، والتعثر في المفاوضات النووية، وتصاعد التوترات الإقليمية. فقد أدت العقوبات، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، إلى تقييد وصول إيران إلى الأسواق المالية العالمية وتخفيض صادراتها النفطية، مما أثر سلباً على إيراداتها الحكومية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بالمفاوضات النووية، وتجدد الصراع المحتمل، تزيد من المخاطر الاقتصادية وتؤثر على ثقة المستثمرين. وقد أعادت الأمم المتحدة فرض عقوبات مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني في أواخر سبتمبر الماضي، مما أدى إلى تجميد أصول إيرانية في الخارج وتقييد صفقات الأسلحة مع طهران.

أكد الرئيس بزشكيان على أهمية الحوار المستمر بين الحكومة والبرلمان للوصول إلى رؤية مشتركة بشأن الموازنة، مع التركيز بشكل خاص على تحسين مستوى معيشة المواطنين. وأضاف أن الحكومة تسعى إلى تهيئة الظروف اللازمة لضمان قدرة الشعب على تأمين الحد الأدنى من المعيشة، حتى في ظل ارتفاع معدلات التضخم.

توقعات حول مناقشة الموازنة في البرلمان

من المتوقع أن يبدأ البرلمان الإيراني في مناقشة مشروع الموازنة الجديدة خلال الأيام القادمة، وذلك في إطار اجتماعات لجان البرلمان المختصة. وستركز المناقشات على تقديرات الإيرادات والنفقات، وتأثير الموازنة على معيشة المواطنين، والخطط الحكومية لمواجهة التضخم وتثبيت قيمة العملة.

من المرجح أن تشهد المناقشات جدلاً واسعاً نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. قد يطالب أعضاء البرلمان بزيادة الإنفاق على بعض القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والإسكان، أو بتقديم حوافز إضافية لدعم الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل.

تعتبر الموازنة العامة للدولة أداة رئيسية للسياسة الاقتصادية في إيران، وتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. لذلك، فإن عملية إقرار الموازنة ستكون حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد الإيراني في العام المقبل.

من المنتظر أن يتم التصويت على مشروع الموازنة في الجلسة العامة للبرلمان في غضون الأسابيع القليلة القادمة. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من النقاط الخلافية التي قد تؤخر عملية الإقرار.

في الختام، يراقب المراقبون عن كثب تطورات مناقشة الموازنة في البرلمان، وما إذا كانت ستتمكن الحكومة من الحصول على موافقة البرلمان على مشروعها، أو ما إذا كانت ستضطر إلى إجراء تعديلات كبيرة عليه. كما يترقبون تأثير الموازنة على الاقتصاد الإيراني، وعلى معيشة المواطنين، في ظل التحديات الاقتصادية المستمرة.

شاركها.