أظهرت دراسة حديثة أن مركب الثيوبرومين، الموجود بوفرة في الشوكولاتة الداكنة، قد يلعب دوراً هاماً في إبطاء عملية الشيخوخة البيولوجية وتحسين صحة الخلايا. توصل الباحثون إلى أن الأفراد الذين يتمتعون بمستويات أعلى من هذا المركب في دمائهم يظهرون علامات على شباب بيولوجي أكبر مقارنة بأقرانهم، مما يفتح آفاقاً جديدة لفهم تأثير النظام الغذائي على طول العمر.

نُشرت نتائج الدراسة، التي اعتمدت على تحليل بيانات واسعة النطاق، في مجلة “Aging” المرموقة، وأثارت اهتماماً كبيراً في الأوساط العلمية والطبية. تشير هذه النتائج إلى أن دمج الشوكولاتة الداكنة الغنية بالكاكاو في النظام الغذائي قد يكون وسيلة فعالة لدعم الصحة العامة على المدى الطويل، بالإضافة إلى فوائدها المعروفة في تحسين المزاج وتقليل التوتر.

ما هو الثيوبرومين ولماذا هو مهم؟

الثيوبرومين هو أحد المركبات النباتية النشطة (فايتوكيميكالز) التي توجد بشكل طبيعي في العديد من النباتات، بما في ذلك الكاكاو والشاي والماتشا. يشبه في تركيبه الكافيين، ولكنه يتميز بتأثيرات مختلفة على الجسم، حيث يعمل بشكل أساسي كمضاد للأكسدة وموسع للأوعية الدموية.

تساعد مضادات الأكسدة في حماية الخلايا من التلف الناتج عن الجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة تساهم في عملية الشيخوخة وتطور الأمراض المزمنة. كما أن توسيع الأوعية الدموية يمكن أن يحسن تدفق الدم والأكسجين إلى الأعضاء والأنسجة، مما يعزز وظائفها الحيوية.

كيف أُجريت الدراسة؟

قام فريق البحث بتحليل بيانات من مجموعتين كبيرتين ومستقلتين من المشاركين لتعزيز مصداقية النتائج. شملت المجموعة الأولى، والتي أطلق عليها اسم “مجموعة الاكتشاف”، 509 توأماً إناثاً من مشروع “TwinsUK” في المملكة المتحدة. أما المجموعة الثانية، أو “مجموعة التكرار”، فضمت 1160 رجلاً وامرأة من دراسة “KORA” في ألمانيا.

تم جمع عينات دم من جميع المشاركين لقياس مستويات الثيوبرومين ومركبات أخرى ذات صلة. استخدم الباحثون تقنية مطيافية الكتلة لتحديد كمية كل مادة موجودة في الدم. بالإضافة إلى ذلك، قاموا بتحليل الحمض النووي للمشاركين للبحث عن مؤشرات إيبيجينية، وهي تغييرات تؤثر على عمل الجينات دون تغيير تسلسلها الأساسي.

تم تطوير “ساعات إيبيجينية” لقياس هذه الأنماط وتقدير العمر البيولوجي لكل فرد. ركزت الدراسة بشكل خاص على ساعتي “GrimAge” و “DNAmTL”، اللتين تعتبران مؤشرات قوية على طول مدة الصحة والعمر المتوقع.

ماذا كشفت النتائج؟

أظهرت النتائج أن الأفراد في “مجموعة الاكتشاف” الذين لديهم مستويات أعلى من الثيوبرومين في الدم كانوا يتمتعون بعمر بيولوجي أبطأ، كما تم قياسه بواسطة ساعة “GrimAge”. بمعنى آخر، بدوا أصغر سناً من عمرهم الزمني الفعلي.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة علاقة إيجابية بين مستويات الثيوبرومين وطول التيلوميرات، وهي هياكل واقية على نهايات الكروموسومات تميل إلى التقصير مع التقدم في العمر. يشير طول التيلوميرات الأكبر إلى صحة خلوية أفضل.

عند تكرار التحليلات على “مجموعة KORA”، تأكدت النتائج مجدداً، مما يعزز مصداقية الاستنتاجات. أظهرت التحليلات المتابعة أن التأثير الإيجابي للثيوبرومين كان أكثر وضوحاً بين المدخنين الحاليين والسابقين، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذه العلاقة بشكل كامل.

القيود والاعتبارات المستقبلية

على الرغم من أن نتائج الدراسة واعدة، إلا أنه من المهم الاعتراف ببعض القيود. على سبيل المثال، لم يتم جمع عينات الدم في نفس اليوم لجميع المشاركين في “مجموعة الاكتشاف”، مما قد يؤدي إلى بعض التحيزات. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب استبعاد تأثير عوامل غذائية ونمط حياة أخرى قد تساهم في الفوائد الصحية المرتبطة بالثيوبرومين.

تعتبر هذه الدراسة رصدية، مما يعني أنها تظهر علاقة ارتباط فقط ولا تثبت سبباً ونتيجة. لذلك، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات، بما في ذلك التجارب السريرية العشوائية، لتأكيد ما إذا كان تناول الشوكولاتة الداكنة أو مكملات الثيوبرومين يمكن أن يبطئ الشيخوخة البيولوجية بشكل مباشر.

ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟

تشير هذه الدراسة إلى أن دمج الأطعمة الغنية بالثيوبرومين في نظامك الغذائي قد يكون له فوائد صحية طويلة الأجل. تعتبر الشوكولاتة الداكنة، وخاصة تلك التي تحتوي على نسبة عالية من الكاكاو (70٪ أو أكثر)، مصدراً جيداً لهذا المركب. يمكن أيضاً الحصول على الثيوبرومين من مصادر أخرى مثل الشاي والكاكاو النقي.

من المهم اختيار الشوكولاتة الداكنة عالية الجودة التي تحتوي على نسبة منخفضة من السكر المضاف. يمكنك أيضاً إضافة مسحوق الكاكاو غير المحلى إلى العصائر أو الزبادي أو الشوفان لزيادة تناولك للثيوبرومين. ومع ذلك، يجب استهلاك هذه الأطعمة باعتدال كجزء من نظام غذائي متوازن ونمط حياة صحي.

من المتوقع أن يستمر الباحثون في استكشاف العلاقة بين الثيوبرومين والشيخوخة البيولوجية، مع التركيز على تحديد الآليات الدقيقة التي تكمن وراء هذه التأثيرات. قد تؤدي هذه الجهود إلى تطوير استراتيجيات جديدة للوقاية من الأمراض المرتبطة بالعمر وتعزيز الصحة العامة. من المهم متابعة التطورات العلمية في هذا المجال لتقييم الفوائد المحتملة لدمج الثيوبرومين في نظامك الغذائي.

شاركها.