“صدمة كبيرة” تلك التي عبر عنها عدد من الراغبين في الهجرة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب “تعليق برنامج قرعة ‘غرين كارد’ (تصريح الإقامة الدائمة)” بعد حادث إطلاق نار بإحدى الجامعات.
وأعلنت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم تعليق قرعة “غرين كارد” يوم الخميس الماضي، مشيرة إلى أنها استُخدمت من قبل المشتبه في تنفيذه عملية إطلاق النار الجماعية في جامعة براون.
وقال عبد الحميد جمور، الخبير في مجال الهجرة، إن تعليق برنامج قرعة الهجرة الأمريكية “لا يعني حرمان الولايات المتحدة من المواهب بشكل مباشر أو فوري، لكنه يُنذر، من منظور علم الاجتماع السياسي واقتصاد الهجرة، بتقليص بنيوي في مصادر إنتاج الرأسمال البشري مستقبلاً”.
وأضاف جمور لهسبريس أن هذا البرنامج كان يتيح فرص الهجرة لفئات قادمة من بلدان ضعيفة التمثيل في الخريطة الهجرية الأمريكية، مبرزاً أن دراسات مقارنة عديدة بيّنت أن جزءاً مهماً من الابتكار والمقاولة داخل الولايات المتحدة لم يكن نتاج استقطاب كفاءات جاهزة فقط، بل ثمرة مسارات اجتماعية طويلة الأمد لمهاجرين انطلقوا من أوضاع متواضعة قبل أن يصبحوا فاعلين اقتصاديين واجتماعيين.
وأورد الخبير ذاته أن تعليق القرعة لا يعني إنهاء الهجرة إلى الولايات المتحدة، بل يعكس توجهاً نحو إعادة تشكيلها على أسس انتقائية ضيقة، تقوم أساساً على الكفاءة الفورية، ورأس المال، والروابط العائلية.
وفي ما يخص انعكاسات هذا القرار على المغاربة شدد المتحدث على أن إلغاء برنامج قرعة الهجرة سيؤدي، من منظور علميأكاديمي، إلى تضييق بنيوي في فرص الهجرة النظامية أمام الشباب المغربي، لكون هذا البرنامج كان يمثل القناة الأقل انتقائية والأكثر إسهاماً في تكافؤ الفرص العابرة للحدود، إذ لا يعتمد على الرسملة المالية ولا على الكفاءة الجاهزة ولا على الشبكات العائلية، وبيّن أن إلغاء القرعة سيُفضي إلى إعادة إنتاج اللامساواة الاجتماعية في الولوج إلى الهجرة الدولية، عبر حصرها في فئات تمتلك رأس مال اقتصادي أو بشري مرتفع.
وختم جمور تصريحه بالتأكيد على أنه لا يمكن اختزال أثر إلغاء قرعة الهجرة في ضياع فرصة فردية، بل يجب فهمه باعتباره تحولاً بنيوياً في هندسة الفرص العابرة للحدود أمام الشباب المغربي، وانتقالاً من منطق “الفرصة المحتملة” إلى منطق “الانتقاء الصارم”.
من جهته قال عبد الرفيع التليدي، أستاذ الهجرة والسوسيولوجيا والوساطة بجامعة ليريدا بجهة كاطالونيا شمال شرقي إسبانيا، إن مسألة خسارة الولايات المتحدة المواهب نتيجة إلغاء برنامج قرعة الهجرة “تخضع لمنطق الشد والجذب”.
وأوضح التليدي لهسبريس أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنطلق من قناعة مفادها أن الهجرة يجب أن تُبنى على الكفاءة المباشرة، كالتوفر على عقد عمل أو شهادة عليا، معتبرةً أن نظام القرعة آلية عشوائية لا تضمن جودة المهاجرين.
وأضاف المتحدث ذاته أن هذا المنطق يتجاهل حقيقة أساسية، مفادها أن الولايات المتحدة قد تخسر بالفعل “خزاناً مهماً من المواهب الخام”، مبرزاً أن عدداً كبيراً من الناجحين في المجتمع الأمريكي اليوم دخلوا البلاد عبر القرعة دون امتلاك رأسمال مادي أو تكوين عالٍ، قبل أن يتحولوا، بمرور الزمن، إلى أطباء ومهندسين ورجال أعمال.
وبيّن الأستاذ الجامعي ذاته أن إلغاء هذا البرنامج يعني عملياً إغلاق الباب أمام الطموح الاجتماعي، وفتحه فقط أمام من يتوفرون مسبقاً على تكوين عالٍ أو موارد مالية، وهو ما من شأنه تغيير طبيعة المجتمع الأمريكي، الذي قام تاريخياً على فكرة إتاحة الفرصة للجميع، وليس فقط للنخب الجاهزة.
وفي ما يتعلق بتداعيات القرار على الشباب المغربي شدد التليدي على أن هذه الفئة ستكون من أكثر المتضررين، مؤكداً أن الصعوبات ستتضاعف أمامها، وبين أن القرعة كانت تشكل بالنسبة لعدد كبير من الشباب المغربي الطموح، الذي لا يملك المال الكافي ولا عقد عمل مع شركات أمريكية، “المنفذ القانوني الوحيد” للهجرة، ما يجعل إلغاءها مرادفاً لتحول الهجرة إلى الولايات المتحدة إلى مسار شبه مستحيل بالنسبة لهم.
وأضاف المتحدث أن إلغاء القرعة سيدفع الشباب إلى البحث عن بدائل أكثر صعوبة، مثل عقود العمل أو الدراسة، وهي مسارات تتطلب تكاليف مرتفعة ومنافسة شديدة، ما قد يدفع بعضهم، في ظل انسداد الأفق، إلى التفكير في مسارات غير قانونية.
وختم الأستاذ بجامعة ليريدا تصريحه بالتأكيد على أن إلغاء برنامج قرعة الهجرة “سيحوّل الهجرة إلى أمريكا من حلم متاح بالحظ للجميع إلى امتياز محصور في النخبة وأصحاب المال”، مبرزاً أن المغاربة سيفقدون بذلك إحدى أهم النوافذ التي كانت تفتح أمامهم آفاقاً جديدة للحراك الاجتماعي وتحسين شروط العيش.
المصدر: هسبريس
