أمد/ في كل مرة أقف عند هذا السؤال، أشعر بثقل مسؤولية الحقيقة.
رغم خلافي الجذري مع حماس، إلا أن الواقع يقول إن شريحة واسعة من أهل غزة باتت ترى الخلاص في غيابها. هذا الشعور، مهما كان مفهومًا في سياقه الإنساني، لا يمكن اعتباره مؤشرًا وطنيًا صحيًا، بل هو نتيجة مباشرة لفجوة عميقة نشأت بين المجتمع والسلطة القائمة عليه. فجوة لم تولد صدفة، بل تشكّلت بفعل سياسات متراكمة، وإدارة مغلقة، وتعامل سياسي وأمني عاجز عن استيعاب تحولات المجتمع ومعاناته اليومية. محاولات التغطية الإعلامية، مهما بلغت كثافتها، لم تعد قادرة على إخفاء فقدان الثقة المتنامي، ولا حجم الغضب المكتوم في الشارع الغزي.
هذا التشخيص لا ينطلق من خصومة، ولا من رغبة في إقصاء أحد، بل من إدراك أن استمرار النزيف المجتمعي والسياسي لا يخدم غزة ولا يخدم أي طرف.
تجاوز هذا الواقع لا يكون بالشعارات ولا بالمكابرة، بل بخطوات عملية محددة، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
أولًا: اعتراف صريح بالأخطاء السياسية والإدارية التي راكمت الغضب الشعبي، دون تبرير أو نقل للمسؤولية.
ثانيًا: إعادة بناء العلاقة مع المجتمع عبر فتح حوار حقيقي ومنتظم مع القوى المجتمعية، بعيدًا عن الشكلية أو الاصطفاف الحزبي.
ثالثًا: فصل إدارة شؤون الناس المعيشية والخدماتية عن الحسابات التنظيمية، وضمان أن تكون حياة المواطنين خارج منطق الصراع الداخلي.

إلى جانب ذلك، ينبغي إدراك حقيقة أساسية: الرهان على تأييد خارجي، أو على جمهور عربي يتلقى وعيه عبر إعلام موجّه، لا يمكن أن يعوّض تآكل الشرعية الشعبية داخل غزة. الشرعية لا تُصدَّر ولا تُستعار، بل تُبنى من الداخل، من ثقة الناس ومن قدرتهم على الشعور بأنهم شركاء لا عبء.

الخلاصة ليست عاطفية ولا انفعالية: أي حركة تتجاهل هذا المسار الإصلاحي ستجد نفسها، مع الوقت، خارج السياق المجتمعي، مهما امتلكت من أدوات قوة. معالجة الخسائر وتقليص الأضرار ما زالت ممكنة، لكن إهدار الوقت والمراهنة على الإنكار سيجعلان كلفة التصحيح أعلى، وربما غير قابلة للاحتواء.

شاركها.