
منذ أكثر من عقدين، تعيش نساء قبيلة المساليت بين دورات متكررة من العنف والفرار، لكن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 أعادت إنتاج هذه المأساة بأشكال أكثر قسوة.
كمبالا: التغيير
تقرير حقوقي جديد، صدر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بالشراكة مع المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، يوثّق كيف تحوّل العنف الجنسي في دارفور، لا سيما مدينة الجنينة، إلى أداة منهجية لاستهداف النساء والفتيات على أساس عرقي، ودفعهن إلى نزوح جديد نحو مخيمات اللجوء في شرق تشاد، حيث لا يزال الأمان بعيد المنال.
وجاء ذلك في تقرير حمل عنوان “تعرضنا للتهديد بالاغتصاب والعنف لكوننا مساليت: من الاضطهاد في السودان إلى الهشاشة وانعدام الأمن في المخيمات التشادية” دشن أمس الأربعاء في فندق فيرآوي بالعاصمة اليوغندية كمبالا، واستند إلى مهمة توثيق ميدانية نُفذت في أغسطس 2024 في إنجمينا وشرق تشاد، شملت مخيمات اللاجئين في ميتيشي وسلطان وأرونق وأركوم.
توثيق ميداني وشهادات مباشرة
وأفاد التقرير بأن فريق التوثيق أجرى مقابلات فردية مع ناجيات من العنف الجنسي، وضحايا مباشرين وغير مباشرين، إلى جانب مدافعات عن حقوق الإنسان، وشهود، وعاملين وعاملات في الحقلين الطبي والإنساني، إضافة إلى مناقشات جماعية ومشاورات مع قادة مجتمعات محلية ومقدمي خدمات إنسانية وسلطات محلية، بهدف فهم السياق الاجتماعي والسياسي وواقع حقوق الإنسان في السودان وتشاد.
وأوضح أن الشهادات التي جُمعت تعكس حملة منسقة استهدفت مجتمع المساليت في مختلف مراحل التهجير، بدءًا من الهجمات داخل دارفور، مرورًا بمرحلة الفرار، ووصولًا إلى مخيمات اللجوء في تشاد، مع تركيز خاص على تجارب النساء والفتيات اللواتي واجهن أنماطًا محددة من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي.
الجنينة مركز الانتهاكات
ووفقًا للتقرير، يُعد العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي أحد أبرز سمات النزاع في دارفور، حيث استُخدم كسلاح لإرهاب السكان المحليين وإجبارهم على النزوح، لا سيما في مدينة الجنينة. وأفادت غالبية الناجيات بأن الانتهاكات ارتُكبت على أساس عرقي بسبب انتمائهن إلى إثنية المساليت، ونُسبت بشكل رئيسي إلى عناصر من قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها.
وروت ناجيات تعرضهن لاقتحامات مسلحة للمنازل، وضرب باستخدام الأسلحة البيضاء والنارية، واغتصاب جماعي، وتهديد بقتل أفراد الأسرة لإجبار النساء على الامتثال، إضافة إلى حالات اختطاف واعتداء جنسي وتدمير للممتلكات، مع إفادات تشير إلى مشاركة مقاتلين أجانب في بعض الانتهاكات.
انتهاكات أثناء الفرار
وأشار التقرير إلى أن العنف الجنسي لم يقتصر على مناطق الهجمات داخل دارفور، بل استمر أثناء النزوح، حيث وثّقت شهادات عن كمائن مسلحة، وقتل أقارب أثناء الفرار، واعتداءات على النساء عند نقاط التفتيش، شملت إطلاق النار والضرب والحرق، في ظل غياب الحماية الفعالة للمدنيين
وبين التقرير أن النساء والفتيات اللاجئات في شرق تشاد لا يزلن يواجهن مخاطر جسيمة داخل المخيمات، حيث يستمر العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي، خاصة مع وجود جماعات مسلحة في المناطق المحيطة، مستفيدة من الحدود المفتوحة بين السودان وتشاد.
وأفادت لاجئات بمشاهدة الجناة يتحركون بحرية في مدن مثل أدري، خاصة خلال أيام الأسواق، دون تدخل يُذكر من السلطات. كما أدى نقص المساعدات الإنسانية، وغياب فرص التعليم والعمل، إلى لجوء بعض النساء والفتيات إلى ترتيبات استغلالية، بما في ذلك الدعارة القسرية، حتى بين القاصرات.
وسلّط التقرير الضوء على الآثار الصحية والنفسية الخطيرة للعنف الجنسي، بما في ذلك الحمل غير المرغوب فيه، والأمراض المنقولة جنسيًا، والمضاعفات الصحية الخطيرة، إلى جانب الصدمات النفسية طويلة الأمد، والوصم الاجتماعي، ونبذ العائلات، والزواج القسري بوصفه شكلًا من أشكال “الحماية”.
كما أشار إلى المخاطر الجسيمة التي تواجه النساء المدافعات عن حقوق الإنسان، سواء في السودان أو تشاد، حيث يتعرضن للتهديد والمراقبة والترهيب، ويفتقرن إلى إطار قانوني يحمي عملهن، ما يحدّ من قدرتهن على دعم الناجيات وتوثيق الانتهاكات.
دعوات للمساءلة
وخلص التقرير إلى أن هذه الانتهاكات تعكس أزمة عميقة ومستمرة يواجهها مجتمع المساليت، مؤكدًا أن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في السودان واسع النطاق ومنهجي، وقد يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ودعا إلى استجابة إنسانية شاملة تركز على الناجيات، وتحسين ظروف المعيشة في المخيمات، وضمان المساءلة ومنع الإفلات من العقاب عبر الآليات الوطنية والإقليمية والدولية، بما في ذلك العدالة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية والاختصاص القضائي العالمي.
المصدر: صحيفة التغيير
