كتب محمود الهواري:
01:07 ص
18/12/2025
باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي، توصل علماء فلك إلى ما قد يكون أول دليل على وجود نجوم عملاقة فائقة الكتلة ظهرت بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم، ويشبهها العلماء بالديناصورات من حيث الضخامة والظهور المبكر والانقراض السريع.
وبحسب الدراسة التي نشرت في مجلة رسائل الفيزياء الفلكية، تشير التقديرات إلى أن كتلة هذه النجوم البدائية قد وصلت إلى ما بين 1000 و10000 ضعف كتلة الشمس.
وكما انقرضت الديناصورات على الأرض لكنها تركت وراءها أحافير، فإن هذه النجوم العملاقة لم تعد موجودة اليوم، غير أنها خل فت ما يعرف بـ”الأحافير الكونية”، والمتمثلة في الثقوب السوداء.
ويرى الباحثون أن تأكيد وجود نجوم بهذه الكتل الهائلة في بدايات الكون قد يفسر كيف تمكنت الثقوب السوداء فائقة الكتلة من النمو بسرعة لتصل إلى كتل تعادل ملايين الشموس قبل أن يبلغ عمر الكون مليار سنة فقط.
وجاء هذا الدليل بعدما درس فريق من علماء الفلك باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي التركيب الكيميائي لمجرة تعرف باسم GS 3073، تقع على بعد نحو 12.7 مليار سنة ضوئية، وتظهر كما كانت بعد 1.1 مليار سنة فقط من الانفجار العظيم.
ولاحظ العلماء وجود خلل غير معتاد في نسبة النيتروجين إلى الأكسجين داخل المجرة، وهو أمر لا يمكن تفسيره بأي نوع معروف من النجوم.
وقال دانيال ويلان، عضو الفريق البحثي من جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة: “يساعدنا هذا الاكتشاف في حل لغز كوني استمر لعشرين عاما.
ومع مجرة GS 3073 أصبح لدينا أول دليل رصدي على وجود هذه النجوم العملاقة”، مضيفا: “كانت هذه النجوم تشبه الديناصورات، ضخمة وبدائية، وتوهجت بشدة لفترة قصيرة قبل أن تنهار وتتحول إلى ثقوب سوداء هائلة، تاركة وراءها بصمات كيميائية يمكننا رصدها بعد مليارات السنين”.
كيمياء غير مألوفة في مجرة بعيدة
أوضح الباحثون أن الدليل الحاسم تمثل في نسبة النيتروجين إلى الأكسجين داخل مجرة GS 3073، والتي بلغت نحو 0.46، وهي أعلى بكثير مما يمكن أن تنتجه النجوم العادية أو حتى الانفجارات النجمية المعروفة.
وقال ديفيش ناندال، عضو الفريق من مركز الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد ومؤسسة سميثسونيان: “الوفرة الكيميائية تمثل بصمة كونية، والنمط الذي نراه في GS 3073 لا يشبه أي شيء يمكن أن تنتجه النجوم التقليدية. هذا المستوى المرتفع من النيتروجين لا يتوافق إلا مع نجوم بدائية تفوق كتلتها كتلة الشمس بآلاف المرات”.
وأوضح ناندال أن هذه النتائج تشير إلى أن الجيل الأول من النجوم في الكون لم يكن يتكون فقط من نجوم ضخمة، بل من أجسام فائقة الكتلة ساهمت في تشكيل المجرات المبكرة وربما لعبت دورا رئيسيا في نشأة الثقوب السوداء فائقة الكتلة الموجودة اليوم.
كيف أنتجت النجوم العملاقة هذا النيتروجين
اعتمد الفريق على نماذج حاسوبية لدراسة تطور نجوم تتراوح كتلها بين 1000 و10000 ضعف كتلة الشمس، لتحديد العناصر التي يمكن أن تنتجها هذه النجوم خلال حياتها القصيرة.
وأظهرت النماذج أن هذه النجوم تحرق الهيليوم في نواتها لتكوين الكربون، الذي ينتقل بدوره إلى الطبقات الخارجية حيث يندمج مع الهيدروجين لتكوين النيتروجين.
وبفعل تيارات الحمل الحراري داخل النجم، ينتشر النيتروجين في جميع أجزائه، ثم يتسرب إلى الفضاء المحيط عند نهاية عمر النجم، ما يؤدي إلى إثراء المجرة بكميات كبيرة من هذا العنصر.
وتشير النتائج إلى أن النجوم الأقل من 1000 كتلة شمسية أو الأكبر من 10000 كتلة شمسية لا تنتج نفس النمط الكيميائي.
نهاية تشبه الديناصورات وبداية للثقوب السوداء
يتوقع الباحثون أن هذه النجوم العملاقة لم تنفجر كمستعرات عظمى تقليدية، بل انهارت مباشرة لتتحول إلى ثقوب سوداء ضخمة.
ويعني غياب الانفجار أن هذه الثقوب احتفظت بكتل هائلة منذ ولادتها، ما منحها أفضلية كبيرة للنمو السريع والتحول إلى ثقوب سوداء فائقة الكتلة.
وتشير الدراسة إلى وجود ثقب أسود فائق الكتلة نشط في قلب مجرة GS 3073، قد يكون نتاج اندماج عدة ثقوب سوداء تكونت من هذه النجوم العملاقة الشبيهة بالديناصورات. ويعمل الفريق حاليا على البحث عن مجرات أخرى غنية بالنيتروجين في بدايات الكون لتعزيز هذه الفرضية.
