
منتدى الإعلام السوداني
الدبة، 17 ديسمبر 2025 (التغيير) والدي دفناه في الطريق، كان مصابا برصاصة في أعلى القدم، نزف حتى الموت. هكذا تقول إحدى الناجيات من الموت في الفاشر بعد وصولها لمعسكر العفاض بالولاية الشمالية .
حوالي “80” الف أسرة خرجت من مدينة الفاشر عقب دخول قوات الدعم السريع للمدينة في شهر أكتوبر 2025 بعد حصار استمر لعامين، وصل بعضهم لبر الأمان لمعسكرات منطقة طويلة والدبة بالولاية الشمالية، والعدد يوميا في تزايد مما دفع السلطات للتفكير في معسكرات جديدة لاستيعاب القادمين الجدد.
معظم القاصدين للدبة كانوا يصلون أولا لمخيم حوش مليط (بيوت من القش والأقمشة والجولات) تضم “200” أسرة.
وفي الأيام الأخيرة قبل سقوط الفاشر بدأ العدد يتزايد حيث نقلت السلطات المحلية النازحين إلى معسكر أزهري بالعفاض الدبة.
تزايد عدد النازحين دفع المواطنين لتبني نفرة للدعم الشعبي حيث للمعسكر يوميا عشرات السيارات من مختلف الجهات خاصة قرى الولاية الشمالية في محلياتها السبعة .
مآسي
تقول أمونة حسون وهي مواطنة نازحة: فقدت في الفاشر ابني الكبير وزوجة أخي التي ماتت إثر سقوط دانة، وتضيف: “يوم سقوط الفاشر كان يوما لا يمكن أن يوصف بالكلمات. خرجنا أثناء الضرب والاشتباكات بعد أن أخبرونا ناس المقاومة بضرورة الخروج بسرعة، كنا مجموعة استوقفتنا ثلاث عربات تابعة للدعم السريع في منطقة قرني فاقتادوا الشباب وتركوا كبار السن والأطفال والنساء.”
وصلنا مليط بعربات كارو دفعنا لصاحبها “70” ألف كثمن تذكرة للشخص الواحد، ومنها إلى منطقة الحمرة، عدد من جنود الدعم السريع طلبوا منا دفع مبلغ مليون جنيه لكل شخص، البعض كان لديه أموال وآخرين لم يكن لديهم أموال فقالوا لهم اتصلوا بأهلكم “ولو ما دفعتوا ما بنفككم “.

بعد أن تجاوزنا منطقة الحمرة كان والدي يعاني من الإصابة برصاصة في قدمه، أصابته قبل شهرين، وكان يستخدم العلاج البلدي، وفي الطريق ازداد النزيف حتى مات فدفناه، في الطريق كان يقول لي: أنا لن أعيش كثيرا.
تقول: في النهاية دفعنا مبالغ أقل ووصلنا إلى منطقة الحمرة، سرنا مسافة نصف يوم ووجدنا سيارات وشاحنات، كبيرة وصغيرة (بفلو) سعر التوصيل ما بين خمسمائة إلى مليون جنيه، أوصلتنا للدبة بطرق وعره وقاسية، كانت هناك نقاط تفتيش تابعة للدعم السريع، يدفع صاحب الشاحنة مبلغا ماليا عند كل نقطة .
حكاية عبدالله إسماعيل لا تختلف كثيرا من حيث تفاصيل المعاناة لدى كل النازحين الذين خرجوا من الفاشر. يقول: كنت من المحظوظين بالنجاة.. طوال أيام الحصار كان الموت من حولي، ماتت أسرة كاملة من جيراني .
وعندما سقطت المدينة خرجت مع بنتي وابنها “7” سنوات، تم نهب الموبايلات من قبل قوات الدعم السريع في الطريق بعد أن جردونا من ملابسنا.. رأيت مجموعة من الشباب اطلقت عليهم قوات الدعم السريع النار من مكان قريب في الطريق من الفاشر إلى منطقة قرني التي وصلناها بعد جهد كبير. كانت الجثث على طول الطريق .
كانت رحلة مليئة بالخوف والجوع، لم اتخيل أن أصل بسلام من الفاشر إلى الدبة، كأنه يوم القيامة، كل شخص يصرخ، نفسي نفسي. لم امتلك أموالا فتعهدت لصاحب السيارة بالدفع عند الوصول، وبالفعل حول ابني المقيم في الخارج أموال الأجرة للسائق، وصلنا الدبة لا نملك شئيا.
معاناة
يقول الناشط والمتطوع إبراهيم حسن لـ (التغيير) إنه من أوائل المتطوعين الذين وصلوا إلى معسكر النازحين بحوش مليط في الدبة، ومن ثم معسكر العفاض، ويضيف: لاحظت أن النازحين كانوا لا يستطيعون حتى الوقوف على قدمين إلا بصعوبة، كان هذا في الأيام الأولى، عيونهم كانت جاحظه وأقدامهم متورمة، تسمع آنين الألم من الشيوخ والنساء وصراخ وبكاء الأطفال ليلا. وفي المقابل، كان هناك نازحون جاءوا مبكرا من الفاشر للدبة، وهؤلاء أفضل من الناحية البدنية والصحية. وأضاف: قد لا يعلم كثير من المواطنين أن نزوح مواطني الفاشر ومناطق كردفان لم يتوقف طوال فترة الحرب، وأن الكثيرين منهم كانوا تحت ظلال الأشجار وفصول المدارس، ولكن بعد قيام المعسكرات تحولوا كلهم إلى هناك.
تدخل جراحي
المتطوعة رانيا أحمد تقول لـ (التغيير): معظم النازحين من كبار السن والأطفال والنساء بعضهم لديه إصابات وجروح مختلفة تتطلب تدخلا جراحيا عاجلا .
وفي ردها على سؤال “التغيير” حول حالات الاغتصاب قالت: سمعت بعدد من الحالات لكن لم أقابل الضحايا، ربما لأن الموضوع حساس، وهناك لجنة للشكاوى بالمخيم تتلقي البلاغات.
تضارب
المحامي عثمان إبراهيم دعا في حديثة لـ (التغيير) السلطات السودانية للحديث بشفافية فيما يخص قضايا النازحين، وقال إن معظم الأذونات التي تمنح لدخول المعسكر لجهات لديها علاقات مباشرة وغير مباشرة بالحكومة. وشكك إبراهيم في الأرقام المذكورة في عدد النازحين، وقال إن التضارب في الأرقام بين السلطات الولائية والاتحادية يشير إلى أن هناك شي ماء .
بلاغات في النيابة
النائب العام، رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني، إنتصار أحمد عبد المتعال دشنت خيمة لتلقي الشكاوى في معسكر أزهري المبارك للنازحين القادمين من دارفور وكردفان حيث كشفت اللجنة المختصة عن تدوين أكثر من (1370) بلاغا ضد قوات الدعم السريع.
أذونات وحاجة
وعلمت (التغيير) أن لجنة الطوارئ والأزمات بمحلية الدبة تفرض شروطا صعبة للحصول على الأذونات من قبل المنظمات لدخول المعسكرات.
عدد النازحين
المدير التنفيذي لمحلية الدبة محمد صابر كشكش أوضح أن مجموع النازحين في محلية الدبة منذ اندلاع الحرب وصل إلى “40 ” ألف شخص. وقال إن الذين نزحوا إلى المحلية بعد أحداث الفاشر(5) آلاف شخص.
إصابات
مفوضة العون الإنساني بمحلية الدبة د. كوثر جعفر، قالت إن النازحين عانوا من ظروف قاسية خلال رحلة وصولهم للولاية الشمالية هربا من البطش والانتهاكات وأن من بينهم مصابون بجروح متعددة متفاوتة الخطورة نتيجة رائش الدانات وكسور، إضافة إلى أن العديد من الأطفال مصابون بأمراض سوء التغذية.
أرقام
ونوهت د. كوثر في تصريح صحفي أنه تم استقبال عدد 200 أسرة قبل سقوط الفاشر وأن العدد ارتفع لاحقا إلى 650 أسرة بعدد 32 ألف فرد، فيما أشارت محلية الدبة إلى أن عدد الذين وصلوا بعد دخول الدعم السريع للفاشر بلغ (5) آلاف مواطن والعدد في تزايد، وأوضحت إنهم يتوقعون المزيد في مقبل الأيام، خاصة وأن الأخبار تشير إلى أن الآلاف في الطريق، وأوضحت أن عدد الأطفال في سن المدارس بالمعسكر يبلغ نحو 250 طفلا و310 طفلا دون سن المدرسة.
يذكر أن الفاشر تضم معسكرات للنازحين يسكنها مئات الآلاف من ضحايا الحرب الطاحنة في الإقليم التي اشتعلت في العام 2003.
وهناك انتقادات لاذعة يوجهها مراقبون للجيش السوداني لرفضه مقترح الهدنة الإنسانية الذي طرحته دول “الرباعية: أميركا، مصر، الإمارات، السعودية،” ولاختياره الاستمرار في القتال رغم أن المؤشرات العسكرية كانت ترجح أن الفاشر ستسقط.
ينشر مندى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد صحيفة (التغيير) لتعكس واقع النزوح المأساوي الذي وقع بعد سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع. ترينا المادة فظائع متنوعة صاحبت عمليات النزوح، خاصة أولئك الذين وصلوا إلى الولاية الشمالية، من بينها الموت وفقدان الأهل، فضلا عن المستقبل الغامض الذي ينتظر آلاف الأطفال وهم في سن التمدرس.
المصدر: صحيفة التغيير
