يواجه سكان قطاع غزة المُحاصرين برًا وبحرًا وجوًا، حربًا أخرى لا تقل قسوةً وتأثيرًا ودمارًا عن الحرب التي شنتها إسرائيل على مدار عامين كاملين، وأعدمت فيها كل مظاهر الحياة داخل القطاع، وقتلت وشردت وأصابت ويتمت مئات الآلاف من الفلسطينيين الذي بات مصيرهم مجهولا.
ما يحتاجه سكان غزة بعد انتهاء حرب “الإبادة” هو المأكل والمسكن والمشرب والمأوى وحتى العلاج، وجميع ما ذكر غير متوفر رغم مرور أكثر من شهرين على إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن الأكثر استغرابًا ودهشة وأصاب الكثير بصدمة هو كمية المخدرات “الهائلة” التي تدخل غزة وتتغلل بشكل جنوني في شوارعها المهدمة.
فالكثير من شاحنات المساعدات التي دخلت غزة طوال الفترة الماضية، كان في ظاهرها إدخال الطحين ومواد التموين الضرورية للسكان المُحاصرين، لكن خلف هذا الستار الإنساني كانت تتم عمليات تهريب خطيرة لكل أنواع وأشكال المخدرات لضرب الشباب الفلسطيني في مقتل.
وهذا الملف الشائك والخطير فتح الكثير من التساؤلات حول طريقة تسهيل دخولها لغزة، والهدف منها، ومن يقف وراء هذا المخطط.
وفي خضم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، كشفت مشاهد نشرتها قناة “الجزيرة” عن حرب أخرى تدور في الظل تستهدف صمود المواطن الغزي على الصعيدين النفسي والاجتماعي، وذلك من خلال محاولات منظمة لإغراق القطاع بالمخدرات وعقاقير الهلوسة.
وحسب ما وثقته “الجزيرة”، فإن شحنات من الأقراص المخدرة تدخل إلى القطاع المدمر بطرق متعددة، من بينها شاحنات تجارية تمر عبر المعابر الخاضعة لرقابة وتفتيش دقيق من قِبل جيش الاحتلال، إضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة لإلقاء كميات من المواد المخدرة داخل مناطق متفرقة من القطاع، لتقع في أيدي تجار مخدرات وعملاء للاحتلال يعملون على ترويجها بين السكان.
واستعرضت “الجزيرة” العديد من أنواع المخدرات التي تم إدخالها عبر شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، من حبوب بأنواعها المختلفة، وحشيش، ومواد أخرى مثيلة، وأنواع أخرى كيماوية، تؤدي إلى الهلوسة والموت، كما استعرضت الجزيرة مباشر طرق التهريب المختلفة والمبتكرة التي يتبعها الاحتلال لتمرير المخدرات داخل القطاع.
وتأتي هذه التطورات في وقت تتعرض فيه الأجهزة الأمنية والشرطة الفلسطينية في غزة لاستهداف إسرائيلي مباشر ومتكرر، ما يحد من قدرتها على القيام بمهامها في ملاحقة المتورطين في هذه القضايا وحماية المجتمع من هذه الآفة.
وكشفت إدارة مكافحة المخدرات في القطاع عن تفاصيل صادمة تتعلّق بمحاولات الاحتلال إدخال هذه السموم بشكل متعمّد.
وتُظهر الشهادات أن شاحنات تجارية يفترض أنها تحمل مواد غذائية أو إغاثية، تخضع شكليا لإجراءات التفتيش الإسرائيلي، إلا أن موادمخدرة تمرر داخلها بعناية، في مشهد وصفه مسؤولون في مكافحة المخدرات بأنه “أمر مريب وغير مسبوق”، ويكشف، حسب تعبيرهم، عن سياسة ممنهجة تهدف إلى ضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني من الداخل.
وفي أحد المخازن التي وصلت إليها أجهزة المكافحة، استعرضت “الجزيرة مباشر” كميات من الأقراص المخدرة التي جرى ضبطها، وسط تأكيدات رسمية بأن هذه المضبوطات ليست سوى جزء يسير مما يحاول الاحتلال إدخاله إلى القطاع، مستغلا ظروف الحرب والحصار وانهيار البنية الاقتصادية والاجتماعية.
وحذرت الجهات المختصة في غزة من أن استهداف المجتمع الفلسطيني بالمخدرات يوازي في خطورته الاستهداف العسكري، كونه يسعى إلى إضعاف المجتمع، وتفكيك قدرته على الصمود، ونشر الفوضى والانحراف في صفوف الشباب، في ظل واقع إنساني كارثي يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني.
ورغم الإمكانات المحدودة، أكدت إدارة مكافحة المخدرات أن “يد القانون ستطال كل من يثبت تورطه في ترويج أو الاتجار بالمخدرات”، مشددة على أن المعركة ضد هذه الظاهرة هي معركة وعي وصمود، لا تقل أهمية عن مواجهة القصف والحصار.
ويبقى التساؤل… من يسهل دخول تلك المخدرات لغزة؟ والهدف منها؟ وما هو المخطط الذي يستهدف سكان غزة بعد حرب دامية؟
