أفادت تقارير إعلامية دولية، نقلا عن مصادر دبلوماسية مقربة من دوائر القرار في إسبانيا، بأن مدريد تراهن على نجاح الوساطة الأمريكية لإنهاء حالة القطيعة القائمة بين المغرب والجزائر؛ وذلك بهدف إعادة تحريك مسار التعاون المغاربي الذي ظل معطلا لسنوات.

وأوضحت المصادر أن هذا الرهان الإسباني يرتبط، في جزء منه، بإمكانية استعادة العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي المار عبر التراب المغربي، مشيرة إلى أن “الحكومة الإسبانية تتابع عن كثب الدينامية الدولية التي يعرفها ملف نزاع الصحراء، خاصة في ظل توجه المسار الأممي نحو مفاوضات تستند إلى مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب”.

كما نقلت التقارير الدولية شعور الجارة الشمالية للمملكة بقدر من الارتياح السياسي عقب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، الذي أعاد التأكيد على الإطار الأممي للتسوية، لافتة إلى أن “هذا المعطى يخفف من ثقل نزاع الصحراء على علاقاتها الثنائية مع الجزائر”.

وشددت على أن “الدعم الغربي، الذي تقوده إدارة البيت الأبيض، أضفى زخما إضافيا على هذا المسار، خاصة مع تسجيل غياب اعتراضات وازنة من روسيا والصين”.

تداعيات إقليمية

مينة لغزال، منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، قالت إن القطيعة الدبلوماسية التي أعلنتها الجزائر في غشت 2021 أفضت إلى إصدار الرئيس عبد المجيد تبون تعليماته لشركة “سوناطراك” بوقف التعامل التجاري مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالمملكة المغربية، وعدم تجديد عقد تشغيل خط أنابيب الغاز المغاربيالأوروبي الذي امتد العمل به لما يقارب 25 سنة وانتهت صلاحيته عند منتصف ليلة 31 أكتوبر 2021.

وأضافت لغزال، في تصريح لهسبريس، أن القرار استند إلى ما وصفه النظام الجزائري بممارسات عدوانية وأعمال عدائية من جانب المغرب، معتبرا إياه مصدرا لعدم الاستقرار الإقليمي؛ وذلك على خلفية النجاحات غير المسبوقة التي حققتها المملكة المغربية في إطار ترافعها الدولي دفاعا عن شرعية بسط سيادتها على أقاليمها الجنوبية، بعد استمرار إغلاق الحدود البرية منذ سنة 1994.

وزادت منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”: إن تداعيات هذا القرار الجائر لم تقتصر على المغرب؛ بل امتدت إلى المملكة الإسبانية، حيث ارتفعت التكلفة السنوية التقديرية للطاقة إلى نحو أربعة مليارات دولار، نتيجة فقدان سعة خط الأنبوب المغاربي، وتزايد تبعية إسبانيا لواردات الغاز الطبيعي المسال في ظل سوق دولية تعرف ضغوطا متزايدة، فضلا عن فقدان مدريد دورها الاستراتيجي كبوابة أوروبية رئيسية للغاز الجزائري.

وذكرت الفاعلة المدنية أن المغرب، وبالموازاة مع هذه التطورات، يواصل العمل على إنجاز مشروعه الاستراتيجي لخط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يُرتقب أن ينقل الغاز النيجيري عبر دول غرب إفريقيا الساحلية وصولا إلى المغرب ثم إلى أوروبا، بهدف تعزيز الأمن الطاقي للمغرب وإسبانيا وأوروبا بشكل مستقل عن الجزائر.

ونبهت لغزال إلى أن إسبانيا باتت تعوّل بشكل واضح على جهود الوساطة الأمريكية من أجل إبرام اتفاق سلام بين المغرب والجزائر، في إطار استراتيجيتها الأوسع للوساطة العالمية، عبر توظيف آليات بناء الثقة والحوافز الاقتصادية، في سبيل خفض منسوب التصعيد في عدد من بؤر التوتر الدولية، بالتوازي مع مبادرات أخرى تشمل أوكرانيا وغزة.

وعن دوافع هذا التوجه، أوردت المتحدثة أن الثقة الإسبانية في إمكانية نجاح هذه الوساطة تتعزز في ظل ما تواجهه الجزائر من ضغوط متزايدة قد تدفعها إلى تقبل الوساطة، إلى جانب تحديات اقتصادية داخلية تتعلق بهيمنة الدولة على الاقتصاد واحتقان اجتماعي استثنائي ومؤشرات بطالة مقلقة وحاجة ملحة إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي خارج قطاع المحروقات، في ظل الاعتماد على عائدات طاقية متقلبة.

واسترسلت في القول: إن مدريد تسعى إلى إحداث اختراق في المزاج الجزائري المتقلب بهدف إعادة ضخ الغاز في اقتصادها، مستفيدة من العزلة الاستراتيجية التي تعيشها الجزائر، في ظل تدهور علاقاتها مع مالي بسبب وجود قوات فاغنر الروسية والفيلق الإفريقي لاحقا وتوتر علاقاتها مع تحالف دول الساحل، مقابل تعزيز المغرب لموقعه في غرب إفريقيا.

وخلصت مينة لغزال إلى أن هذه المعطيات، إلى جانب مخاطر العقوبات المحتملة من الكونغرس الأمريكي بموجب قانون “كاتسا” بسبب اقتناء الجزائر للأسلحة الروسية، تجعل الرهان الإسباني على الوساطة الأمريكية خيارا واقعيا لتأمين مصالحها الطاقية، في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد.

الرهان الإسباني

سجل عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” ونائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، أن التحول الذي طرأ على السياسة الإسبانية سنة 2022، والمتمثل في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء، ألحق ضررا بالغا بعلاقات مدريد مع الجمهورية الجزائرية، باعتبارها موردا رئيسيا للغاز لإسبانيا.

ولفت الكاين، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن هذا التحول لم يحقق المكاسب المرجوة مع أطراف أخرى، في ظل اعتماد الجزائر ملف الصحراء المغربية محورا استراتيجيا لدبلوماسيتها وسياستها الخارجية، وما يترتب عن ذلك من عداء صريح تجاه كل موقف منسجم مع الطرح المغربي.

وأضاف رئيس منظمة “أفريكا ووتش” ونائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية” أن استئناف العمل بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي وإعادة إحياء التعاون الإقليمي يظلان رهينين بمدى نجاح الدبلوماسية الأمريكية في تليين مواقف الجزائر من النزاع حول الصحراء المغربية، بما يسمح بإعادة بعث أفق التعاون المغاربي وإحياء حلم تفعيل اتحاد المغرب العربي الذي يعاني الجمود منذ عقود.

وأوضح المتحدث عينه أن المناورات الدبلوماسية الإسبانية يمكن فهمها في سياق التخوف من تعريض البلاد لمخاطر انعدام الأمن الطاقي، وجعلها مرتهنة لوساطات خارجية من أجل تسوية أزمة نشبت أساسا نتيجة مواقف مدريد الداعمة للشرعية الدولية ووقوفها إلى جانب المغرب في مطالبه العادلة ببسط سيادته على صحرائه.

وتابع الفاعل المدني ذاته قائلا: إن جوهر الخلاف بين المملكة الإسبانية والجزائر يعود إلى التنافس الحاد بين المغرب والجزائر حول نزاع الصحراء المغربية، الذي يرجع إلى انسحاب إسبانيا من الإقليم سنة 1975 بعد قرن من السيطرة الاستعمارية، حيث يطالب المغرب بالإقليم باعتباره أرضا ذات سيادة تاريخية وقانونية، استنادا إلى روابط البيعة للعرش العلوي، في مقابل دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” وسعيها إلى الانفصال بأي ثمن خدمة لأهدافها الجيوسياسية.

ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن الأزمة الجزائرية الإسبانية ترتبط أيضا بتأييد إسبانيا، إلى جانب فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بشكل تدريجي لمقترح الحكم الذاتي المغربي؛ وهو ما قوبل بردود فعل جزائرية انتقامية تجاه كل دولة على حدة، مشيرا إلى أن موقف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز شكّل تحولا جذريا عن الحياد السلبي السابق، عبر دعم خطة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لتسوية هذا النزاع.

وبخصوص التحول الذي رافق هذا الموقف، أكد الكاين أنه جاء بعد أزمة دبلوماسية حادة مع المغرب اندلعت عقب استقبال إسبانيا لإبراهيم غالي، زعيم جبهة “البوليساريو”، لتلقي العلاج؛ وهو ما فاقم من تعقيد العلاقات الإقليمية وأعاد ترتيب أولويات مدريد الدبلوماسية.

وكشف المصرح لهسبريس أن الموقف الإسباني الجديد قوبل برد جزائري سريع وشامل، تمثل في استدعاء السفير الجزائري من مدريد للتشاور، وتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار لسنة 2002، وتجميد الاتفاقيات التجارية الثنائية، إضافة إلى استهداف أزيد من 600 شركة إسبانية بإجراءات بيروقراطية معرقلة.

وأضاف رئيس منظمة “أفريكا ووتش” أن لجوء الجزائر إلى تدابير متطرفة في مواجهة إسبانيا شجعه اعتماد مدريد على تأمين نحو 30 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي عبر الأنبوب المار من الأراضي المغربية، موضحا أن فقدان سعة خط أنابيب المغرب أوروبا أدى إلى تراجع دور إسبانيا كبوابة رئيسية لعبور الغاز نحو القارة الأوروبية.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه بالتأكيد على أن التفاؤل الإسباني بإمكانية تحقيق تقدم في ملف الغاز الجزائري يظل مرتبطا بجهود الدبلوماسية الأمريكية الساعية إلى حل النزاع المفتعل حول الصحراء؛ من خلال الدفع نحو تليين المواقف الجزائرية، والانخراط في مسار تفاوضي بحسن نية ومن دون شروط مسبقة؛ الشيء الذي قد يفتح الباب أمام اعتماد مقترح الحكم الذاتي كأرضية جدية للحل، ويفضي إلى انفراج في ملف أنبوب الغاز وعودة تدفقه لدعم الاقتصادين الإسباني والأوروبي، من دون أن يعني ذلك أي تراجع عن المواقف الإسبانية الداعمة للمغرب.

المصدر: هسبريس

شاركها.