عبّر البيت الأبيض عن استيائه الشديد من إسرائيل بعد تنفيذها عملية عسكرية أدت إلى مقتل أحد كبار قادة حركة “حماس” في قطاع غزة دون تنسيق مسبق مع الجانب الأمريكي، ما أثار مخاوف من تقويض اتفاق وقف إطلاق النار الهش، والذي تعتبره إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد أبرز إنجازاتها في المنطقة.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين ومصدر مطلع على فحوى المحادثات، فقد تم نقل رسالة احتجاج رسمية من واشنطن إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد الغارة التي نُفذت في 13 ديسمبر الجاري وأسفرت عن مقتل القيادي في حماس رائد سعد، الذي قالت إسرائيل إنه أحد آخر كبار قادة الجناح العسكري للحركة في غزة.

وقالت مصادر أمريكية إن ترامب أبلغ معاونيه بأن نتنياهو “يُفشل الصفقة الخاصة بي”، في إشارة إلى الاتفاق المرحلي الذي أُبرم لوقف القتال في غزة وإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وأكدت تل أبيب من جانبها أن العملية العسكرية جاءت في إطار الدفاع عن النفس، بعدما لم تُظهر حماس أي إشارات على نزع سلاحها، وهو شرط رئيسي في المرحلة الثانية من الاتفاق.

وبينما لم يعلّق البيت الأبيض علنًا على فحوى الرسالة، نفى ترامب خلال مؤتمر صحافي في واشنطن أن يكون غاضبًا من نتنياهو، قائلاً: “نحن نحقق في الحادث”. وأضاف أن التحقيق جارٍ حول ما إذا كانت الغارة تمثل خرقًا فعليًا لشروط وقف إطلاق النار.

ورغم امتناع ترامب عن انتقاد إسرائيل علنًا، إلا أن مصادر في الإدارة أفادت بأن الرئيس أبدى في جلسات مغلقة استياءه من تصرفات تل أبيب التي وصفها بأنها “مُعطلة للمسار الدبلوماسي”. وكانت إسرائيل قد نفذت في وقت سابق عمليات مثيرة للجدل ضد عناصر من حماس في سوريا وقطر، رغم الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار.

ويعد اغتيال رائد سعد الهجوم الأبرز منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي. وقال الجيش الإسرائيلي إن الغارة جاءت ردًا على عبوة ناسفة أدت إلى إصابة جنود إسرائيليين بجروح طفيفة، لكن محللين شككوا في توقيت العملية، معتبرين أنها كانت على الأرجح مخططًا لها منذ فترة.

وتُدير الولايات المتحدة منذ توقيع الاتفاق مركزًا للتنسيق المدني والعسكري جنوب إسرائيل، كما كثّفت من زيارات مسؤوليها إلى تل أبيب لمتابعة تنفيذ بنود التهدئة، التي تشمل نزع سلاح حماس وانسحابًا تدريجيًا للجيش الإسرائيلي، إلى جانب تشكيل قوة دولية للإشراف على الاستقرار داخل القطاع.

لكن هذه الخطوة لا تزال تواجه تعقيدات. فحتى الآن، لم توافق أي دولة رسميًا على الانضمام إلى القوة الدولية المقترحة، رغم إشارات من أذربيجان وإندونيسيا بالاستعداد للمشاركة. وتشير التقديرات إلى أن حجم القوة لن يتجاوز 5000 جندي بحلول بداية 2026، وقد يصل إلى 10,000 كحد أقصى بنهاية العام نفسه، مع بقاء الغموض حول آلية نزع سلاح حماس.

ويُعتقد أن نتنياهو متردد في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، خشية أن تقيّد القوات الدولية من قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات لاحقة، وتُزيد من الضغط الدولي عليها لسحب قواتها بالكامل من القطاع.

يأتي ذلك فيما لا تزال أجزاء كبيرة من مدينة غزة مدمرة جراء عامين من القتال، ما يضع الإدارة الأمريكية تحت ضغط داخلي ودولي لتسريع وتيرة إعادة الإعمار، في وقت تتزايد فيه الأصوات المنتقدة لاستمرار العمليات العسكرية.

وفي ظل هذا السياق، يرى مراقبون أن الفجوة تتسع بين الحليفين التقليديين، حيث يوازن البيت الأبيض بين التزامه بأمن إسرائيل من جهة، وسعيه لإنجاح مبادرته لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحرب من جهة أخرى.

المصدر: هسبريس

شاركها.