الواثق البرير

النفط أولًا… والإنسان لاحقًا

الواثق البرير

إنّ الاتفاق الأمني الثلاثي الذي استهدف تحييد المنشآت البترولية ومنع تدمير البنية التحتية النفطية، بوصفها موردًا حيويًا للسودان وجنوب السودان على حدٍّ سواء، يُمثّل دليلًا جديدًا ودامغًا على أن وقف الحرب ممكن ومتاح متى ما توفّرت الإرادة السياسية الحقيقية. فقد أثبتت هذه الخطوة أن إزالة العوائق وتهدئة الصراع يمكن إنجازها سريعًا عندما تتقاطع الحرب مع المصالح الاقتصادية المباشرة لحكّام الأمر الواقع.

ولا شكّ أن هذا الاتفاق إيجابي ويستحق الإشادة؛ غير أنّ المؤسف حقًا أن هذا القدر من الجدية والمرونة لا يظهر إلا عندما يُهدَّد النفط، أو الإيرادات، أو شبكات المصالح، بينما يغيب تمامًا حين تكون أرواح المدنيين، وحياة المواطنين اليومية، والأمن الإنساني الشامل على المحك. فلا نرى اجتهادات صادقة من الأطراف المتقاتلة للجلوس إلى طاولة الحوار من أجل وقف نزيف الدم، أو حماية المدن، أو إنقاذ الملايين من الجوع والنزوح والمعاناة.

إنّ هذا السلوك (الكاش يقلّل الحوار) يكشف اختلالًا أخلاقيًا وسياسيًا عميقًا في إدارة الصراع، تُقدَّم فيه المصالح الاقتصادية على كرامة الإنسان، وتُعامل حياة المواطنين بوصفها كلفة جانبية يمكن تجاوزها. ويؤكد ذلك أن الحرب لم تعد تُدار بمنطق حماية الوطن أو صون أرواح مواطنيه، بل بمنطق السيطرة على الموارد وضمان استمرار النفوذ؛ الأمر الذي يستوجب ضغطًا سياسيًا وأخلاقيًا متصاعدًا لفرض وقفٍ شامل للحرب، وتحييد حياة الناس قبل تحييد النفط، ووضع حدٍّ لاستخدام الاقتصاد سلاحًا، بينما يُترك المواطن أعزل في مواجهة الموت والدمار.

‎#لانحتاج_لأبطال_حرب_بل_صناع_سلام

* الأمين العام لحزب الأمة القومي

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.