أمد/ واشنطن: بعد شهرين على دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، لا تزال خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين بشأن القطاع تواجه حالة من الغموض والتعثر، في ظل تأخر تشكيل القوة الدولية المقترحة، وغياب الوضوح حول شكل الحوكمة الانتقالية لما بعد الحرب. وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

وتقوم الخطة الأميركية على إنشاء هياكل دولية جديدة تهدف إلى تثبيت الأمن في قطاع غزة، وتمهيد الطريق لإدارته مستقبلًا من دون حركة حماس. غير أن هذه الترتيبات لم تتجاوز حتى الآن مرحلة التخطيط، وسط تباين في مواقف الأطراف الدولية والإقليمية المعنية.

قوة دولية مؤجلة

وتنص الخطة على نشر قوة دولية في غزة للمساعدة في الحفاظ على وقف إطلاق النار، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية، وتدريب الشرطة الفلسطينية. إلا أن طبيعة مهام هذه القوة، وحدود تدخلها، لا تزال موضع خلاف، لا سيما فيما يتعلق بمسألة نزع سلاح حماس.

وفي نوفمبر الماضي، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بقيادة الولايات المتحدة يمنح تفويضًا دوليًا لتشكيل القوة، بما في ذلك الإشراف على “عملية نزع سلاح قطاع غزة”، من دون تحديد آليات التنفيذ، ما فتح الباب أمام تفسيرات متباينة حول احتمال مواجهة عسكرية مع حماس.

وحتى الآن، لم تعلن أي دولة التزامًا رسميًا بإرسال قوات إلى غزة. وجرى تداول اسمي أذربيجان وإندونيسيا كمشاركين محتملين، إلا أن مسؤولًا أذريًا أكد أن مشاركة بلاده مستبعدة في حال تورط القوات في قتال مباشر. كما شددت دول أخرى على أن دور قواتها — في حال المشاركة — سيقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار.

من جهته، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال مؤتمر في الدوحة، إن القوة الدولية لا ينبغي أن تقوم بمهام الجيش الإسرائيلي. ورغم إبداء أنقرة اهتمامها بالمشاركة، أبدت إسرائيل اعتراضًا واضحًا على انضمام تركيا، معتبرة أن موقفها من إسرائيل “عدائي”.

تحركات أميركية وتسريبات عن المهام

وفي الأيام الأخيرة، تكثفت الجهود الأميركية لتسريع تشكيل القوة، إذ من المقرر أن يعقد الجيش الأميركي اجتماعًا في الدوحة في 16 ديسمبر الجاري بمشاركة جنرال برتبة نجمتين، على أن يعقد اجتماع ثانٍ في يناير المقبل بمشاركة جنرال برتبة أربع نجوم، بحسب مسؤولين غربيين.

كما كشفت وثيقة عرضتها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) على مسؤولين عسكريين من عشرات الدول، أن الخطة تتضمن نشر نحو 8000 جندي في مناطق من غزة تخضع حاليًا للسيطرة الإسرائيلية، على أن يبدأ الانتشار قرب مدينة رفح، مع تدريب أكثر من 4000 عنصر من الشرطة الفلسطينية.

وبحسب الوثيقة، ستتولى القوة تأمين الطرق والمواقع الحيوية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومنع “تعطيل العدو”، إضافة إلى “تهيئة الظروف” لنزع سلاح حماس، من دون تحديد كيفية تنفيذ ذلك. وامتنعت سنتكوم عن التعليق على محتوى الوثيقة.

مواقف حماس وإسرائيل

وتعارض حركة حماس تقليديًا وجود قوات دولية في غزة، إلا أن قياديًا بارزًا في الحركة، حسام بدران، قال في مقابلة حديثة إن الحركة منفتحة على وجود قوات دولية تراقب وقف إطلاق النار وتحافظ عليه، شريطة ألا تنخرط في عمليات نزع السلاح أو مداهمة منازل المدنيين.

في المقابل، أعربت إسرائيل عن تشككها في قدرة أي قوة دولية على نزع سلاح حماس. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن نزع السلاح “سيتم في نهاية المطاف”، مشيرًا إلى إمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر.

غموض حول إدارة غزة

وتنص الخطة الأميركية أيضًا على تشكيل لجنة فلسطينية “تكنوقراطية وغير مسيّسة” لإدارة غزة مؤقتًا، تحت إشراف هيئة دولية تُعرف باسم “مجلس السلام”، من المقرر أن يترأسه الرئيس ترامب ويضم عددًا من قادة الدول.

غير أن هوية أعضاء المجلس واللجنة الفلسطينية، وصلاحياتهم، وآليات اتخاذ القرار، لا تزال غير واضحة. وكان من المتوقع الإعلان عن تشكيل المجلس قبل عيد الميلاد، إلا أن مصادر دبلوماسية رجحت تأجيل الإعلان إلى مطلع عام 2026.

وأشارت المصادر إلى أن لجنة تنفيذية ستشارك في صنع القرار، وقد تضم جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، مستشاري ترامب ومهندسي الخطة. كما ورد اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ضمن الشخصيات المرشحة للعب دور في المجلس، الأمر الذي أثار انتقادات من نشطاء فلسطينيين يرون أنه قريب من الموقف الإسرائيلي.

كما يجري التداول باسم نيكولاي ملادينوف، المبعوث الأممي السابق لعملية السلام، ليكون حلقة وصل مع اللجنة الفلسطينية. وقال محلل سياسي فلسطيني إن ملادينوف يتمتع بخبرة في الوساطة بين إسرائيل وحماس، واصفًا ترشيحه بأنه “إيجابي للفلسطينيين”.

مستقبل غير محسوم

وفي ظل استمرار الخلافات حول الأمن والحوكمة، يرى مراقبون أن التأخير في تنفيذ الخطة يمنح حماس فرصة لإعادة ترسيخ نفوذها في القطاع، رغم الهدوء النسبي الذي وفره وقف إطلاق النار لسكان غزة، الذين يواجهون مستقبلًا غامضًا بشأن إعادة الإعمار والاستقرار

شاركها.