استنكر مواطنون ظهور أشخاص غير إماراتيين في مقاطع مصورة لرحلات برية، تنظمها شركات وحسابات سياحية خاصة، وهم يرتدون الزي الوطني، ويؤدون حركات استعراضية «لا تليق برمزية الكندورة والبشت»، معتبرين أن «المشارك في المحتوى يقدم صورة خاطئة عن الهوية المحلية»، مطالبين الجهات التنظيمية بتشديد الرقابة على الأنشطة السياحية التي تقدم عروضاً تنسب زوراً للتراث الإماراتي.

ووفقاً لخبراء في التراث، فإن المشكلة لا تكمن في مشاركة الزوار في الأنشطة الصحراوية، بل في «تقديم التراث بصور غير صحيحة، ومن خلال أشخاص غير مؤهلين»، مؤكدين أن «معالجة هذا الخلل يتطلب تنظيم العلاقة بين الشركات السياحية والجهات التراثية الحكومية، وإصدار دليل واضح يحدد الضوابط الفنية والسلوكية المرتبطة بالعروض الشعبية، إضافة إلى استحداث لجان رقابية متخصصة في الفنون الشعبية والزي الوطني، وإشراك الإماراتيين من أصحاب الخبرة في تقديم الفنون للزوار، إلى جانب توجيه السياح نحو الفعاليات والمهرجانات الرسمية التي تقدّم فيها الفنون الأصيلة وفق معايير معتمدة».

وحذر الخبراء من أن «استمرار هذه السلوكيات من دون تنظيم ورقابة، قد يرسخ صوراً مشوهة عن التراث الإماراتي، ويمسّ الموروث الذي تناقلته الأجيال».

وتفصيلاً، قال المواطن راشد عبيد الكتبي إن «المقاطع الأخيرة المصورة في بعض الرحلات البرية التي تنظمها حسابات وشركات سياحية خاصة، تظهر أشخاصاً غير إماراتيين يرتدون الكندورة والبشت وهم يؤدون حركات استعراضية لا تليق بالرجل الإماراتي المعروف بالوقار والاحتشام».

وذكر أن «هذه المقاطع تمثل خروجاً واضحاً على هيبة الزي الإماراتي، فالكندورة والبشت ليسا مجرد لباس بل رمز له مكانته وقيمته الاجتماعية»، مضيفاً أن «تقديمهما بهذا الشكل يقدم صورة صورة غير صحيحة عن الرجل الإماراتي».

ويلاحظ المواطن جاسم عبدالله البلوشي أن «بعض الشركات السياحية تتعامل مع التراث الإماراتي كديكور للعرض، من دون وعي أو إدراك لمعايير الأداء الصحيح»، مشيراً إلى أن «إشراك أفراد غير متخصصين يسهم في مشاهد تفتقر للأصالة، يؤدي إلى تكوين انطباعات خاطئة عنا لدى السياح».

وأيدته في الرأي المواطنة نورة علي الحمادي، التي رأت أن المشكلة تتجاوز حدود مقطع أو مشهد، لتصل إلى غياب الرقابة على الجهات التي تقدم أنشطة مرتبطة بالتراث، مؤكدة أن «الاستمرار في عرض مثل هذه السلوكيات قد يجعل الأجيال الجديدة والسياح يظنون أنها جزء من التراث الإماراتي، وهو ما يشكل خطراً على الموروث الذي يجب الحفاظ عليه».

إلى ذلك، قال خبير التراث الفني في معهد الشارقة للتراث، علي عبدان الشامسي، إن «ما يحدث نتيجة طبيعية لتعامل شركات سياحية غير متخصصة مع الفنون الشعبية من دون امتلاكها معرفة بقواعد الأداء الإماراتي»، موضحاً أن «أصحاب تلك الشركات لا يعتمدون على أسس الفنون التراثية ولا يدركون أين يكمن الصواب، ويتعاملون مع الموروث بالطريقة ذاتها التي يتبعها بعض المخرجين الأجانب الذين يركزون على المشهد الخارجي، من دون الاهتمام بجودة الأداء أو أصالته».

وبين الشامسي أن «السياح في العادة غير معنيين بالتفريق بين الأداء الصحيح والخاطئ، لأن وجودهم في الصحراء يستمر لليلة واحدة أو ليلتين، على الأغلب، وهو وقت قصير لا يمنحهم إدراكاً للضوابط التراثية أو معايير الأداء المتعارف عليها، ما يجعل من الضروري أن تبادر الجهات التراثية الحكومية إلى مخاطبة الشركات السياحية بطريقة واضحة، وتوجيه الزوار نحو المهرجانات الرسمية التي تقدم فيها الفنون الشعبية الإماراتية بأدائها السليم والمعروف تاريخياً».

وأشار إلى أن «غياب الرقابة السياحية على هذا النوع من الأنشطة يعد جزءاً أساسياً من المشكلة»، مؤكداً الحاجة إلى وضع مقترحات وتشريعات واضحة تنظم تقديم الفنون الشعبية، بحيث لا تمارس من قبل أشخاص غير مؤهلين، وأن توجه المبالغ المالية المخصصة للمؤدين إلى فرق معتمدة أو إلى فنانين إماراتيين متخصصين، بدلاً من الاعتماد على مؤدين عشوائيين لا يمتلكون المعرفة الكافية.

وأوضح أن تقديم الفنون التراثية لا يتطلب بالضرورة جلب فرقة كاملة، إذ يمكن للشركات السياحية التعاقد مع فنان واحد قادر على إحياء جزء من الفن بطريقة صحيحة، مستشهداً بتجربة منطقة السعديات التي استعانت بأحد المختصين في فن النوبان، وهو فن يحتاج إلى طبول وأدوات خاصة، وقدم هناك بما يتوافق مع أصوله المتعارف عليها.

وأضاف أن بعض الشركات السياحية تلجأ إلى أفراد غير مختصين لاعتبارات الكلفة المالية، ما يضعف حضور الفنان الإماراتي الحقيقي ويؤدي إلى تراجع جودة ما يقدم من عروض، مطالباً بتنظيم العلاقة بين القطاع السياحي والجهات التراثية لضمان الحفاظ على أصالة الفنون الشعبية وجودة تمثيلها أمام الزوار.

وأكدت الباحثة في التراث الثقافي، بدرية الحوسني، ضرورة وجود منظومة رقابية واضحة تضبط آليات تقديم الفنون الشعبية وتتابع جودتها، مشيرة إلى أهمية وضع ضوابط ومعايير يتم مراقبتها بشكل دوري، سواء من حيث صحة الأداء أو الجوانب الأخلاقية المرتبطة به، موضحة أن «المرحلة الحالية تتطلب تشكيل لجنة مختصة تضم أشخاصاً ذوي معرفة راسخة بالفنون والعادات الإماراتية، تتولى مهام المتابعة والتفتيش وفق دورية أسبوعية أو شهرية لضمان الالتزام بالمعايير المعتمدة».

وشددت الحوسني على أن الزي الإماراتي يمثل ركناً أساسياً من الهوية الوطنية، موضحة أن أسلوب ارتداء الكندورة أو الفروخة يعكس منظومة قيم راسخة ووقاراً مرتبطاً بالشخصية الإماراتية، ما يستدعي الحفاظ على ظهوره بشكل لائق ومتماسك بعيداً عن أي مظهر قد يسيء إلى رمزيته.

ورأت أن «مسؤولية التدقيق لا تقتصر على الزي فحسب، بل تمتد إلى الكلمات المصاحبة للعروض التراثية، والسلوكيات التي تصدر بعد أداء الرقصة، كون هذه التفاصيل مجتمعة تشكل الصورة الثقافية التي يتلقاها الجمهور وتبنى عليها انطباعاتهم عن التراث الأصيل».

وأكدت أن الرقابة على هذا النوع من الأنشطة يجب أن تكون بيد إماراتيين متمكنين من أدواتهم ومعرفتهم التراثية، لضمان حماية الموروث من التشويه أو الاستخدام التجاري العشوائي، والحفاظ على أصالته أمام الزوار والجمهور.

بدوره، قال المؤرخ والباحث في التراث الإماراتي، الدكتور حمد بن صراي، إنه شاهد بنفسه مثل هذه العروض، وأعرب عن استيائه الشديد مما رآه، مؤكداً أنه لا يمكن قبول أي مظهر يسيء إلى تراث الإمارات أو يستخدم فيه الزي الوطني بطريقة لا تليق بمكانته ورمزيته.

وأوضح أن «غياب الرقابة على ما يقدم باسم الفنون الشعبية يفتح المجال أمام إسناد تقديم التراث لأشخاص لا يمتلكون أي تخصص أو معرفة بأصول الأداء، ما يؤدي إلى ظهور ممارسات بعيدة تماماً عن الفنون الإماراتية الأصيلة»، داعياً إلى إشراك الشباب الإماراتيين المؤهلين في هذا المجال، لأن خريجي تخصصات التاريخ والتراث والسياحة يمتلكون القدرة على العمل كمرشدين، ويجب أن يكون لهم دور أكبر في نقل الفنون الصحيحة للزوار.

وأكد بن صراي أن «ضبط هذا المجال يعد أمراً أساسياً لحماية التراث من التشويه غير المقصود، وضمان تقديمه بصورة صحيحة تليق بالأجيال الحاضرة والسياح، وتحافظ على استمرارية الموروث كما عرفه الآباء والأجداد».

راشد عبيد:

• المقاطع تمثل خروجاً واضحاً على هيبة الزي الإماراتي، فالكندورة والبشت ليسا مجرد لباس بل رمز.

جاسم البلوشي:

• شركات سياحية تتعامل مع التراث كديكور للعرض، من دون إدراك لمعايير الأداء الصحيح.

نورة علي الحمادي:

• المشكلة تتجاوز حدود مقطع فيديو، لتكشف عن غياب الرقابة على الأنشطة المرتبطة بالتراث.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

المصدر: الإمارات اليوم

شاركها.