أمد/ تل أبيب: كشفت إفادات قدّمها كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي أمام لجنة التحقيق برئاسة اللواء (احتياط) سامي ترجمان، عن واحدة من أكثر القضايا الحساسة في العامين السابقين لحرب السابع من أكتوبر: الخطط العملياتية للقيادة الجنوبية لتصفية قائدي حماس يحيى السنوار ومحمد ضيف، والتي لم تُنفَّذ رغم توصيات ميدانية متكررة. وفقا لتقرير نشته صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية يوم الثلاثاء.
وبحسب المواد الاستخباراتية التي صودرت من حواسيب حماس خلال مناورة برية في قطاع غزة، فإن الموعد الأخير الذي بحث فيه الجيش بجدية تنفيذ خطة “جدار أريحا” التي تقوم على مبادرة هجومية مفاجئة كان بين عيد الفصح اليهودي وعيد الاستقلال عام 2023، في ذروة الانقسام الداخلي الإسرائيلي والاحتجاجات الواسعة ضد خطة الحكومة لإصلاح النظام القضائي.
كما اطّلع أعضاء اللجنة على خطة إسرائيلية موازية كانت قيد الدراسة في الفترة نفسها، وتقضي بتصفية السنوار وضيف. وكُشف عن وجودها للمرة الأولى في تقرير نشره موقعا Ynet ويديعوت أحرونوت العبريان في مارس الماضي. ووفق شهادة ضابط كبير، دفعت القيادة الجنوبية آنذاك نحو خيارين: عملية محدودة لاغتيال القائدين، وأخرى موسّعة من أربع مراحل تشمل القضاء عليهما وعلى عدد من كبار مسؤولي حماس، ثم ضربٌ شامل لجميع مواقع الحركة، وصولاً إلى مناورة برية محدودة بثلاث فرق قتالية لتطهير مناطق إطلاق الصواريخ.
لكن، وعلى مدى سنوات، فضّلت القيادة السياسية برئاسة بنيامين نتنياهو استمرار حكم حماس في غزة كـ “عنوان سلطوي” يمكن ردعه وموازنته، ما جعل الخطط تهدف إلى إضعاف الحركة لا إسقاطها. ووفق الضابط نفسه، رفضت هيئة الأركان، بناء على توصيات شعبتي العمليات والاستخبارات، المبادرتين المحدودة والموسّعة في محطتين رئيسيتين سبقتا اجتياح حماس للنقب الغربي.
وتناقض شهادة أخرى ما سبق. إذ قدّم ضابط كبير ثانٍ للجنة ملخّصات نقاشات عملياتية تؤكّد أن القيادة الجنوبية أوصت بالفعل بتنفيذ النسخة المخفّفة من الخطة، أي تصفية السنوار وضيف فقط. وبحسب روايته، جاءت أول فرصة تنفيذية في مايو 2022 عقب هجوم إلعاد الذي قُتل فيه أربعة إسرائيليين، وفي أعقاب «خطاب غيرزين» الذي دعا فيه السنوار الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات فردية. غير أن التوصية فشلت بسبب الإصرار السياسي على إبقاء حماس قوية في غزة وعدم ربط الأوضاع في الضفة بالساحة الجنوبية.
وعادت الخطة إلى الطاولة بين عيد الفصح وعيد الاستقلال عام 2023، في ظل توترات أمنية وإطلاق صواريخ من غزة. ووفق الشهادة الثانية، أيد رئيس الشاباك رونين بار المبادرة، بينما تحفّظ رئيس الأركان آنذاك هرتسي هاليفي انطلاقاً من السياسة الحكومية ذاتها، التي تمنح حماس “حصانة” نسبية ما دامت تحافظ على هدوء القطاع.
واجتمع قائد المنطقة الجنوبية إليعازر توليدانو مع هاليفي لبحث الخطة، وحصل على موافقة مبدئية للشروع في التخطيط، على أن تكون جاهزة للتنفيذ في فترات الهدوء أو التوتر. غير أن القيادة الجنوبية وفق ما قيل للجنة لم تُعِدّ المنظومة الاستخباراتية وسلاح الجو بالمستوى المطلوب لدفع القيادة السياسية إلى تبني خطوة استراتيجية من هذا النوع.
وتأتي هذه المعطيات في ظل سياق أوسع لعام 2023، اتسم بتصاعد عدوانية حزب الله، وصولاً إلى عملية التسلل قرب مفترق مجدو التي انتهت بانفجار عبوة كبيرة داخل إسرائيل. ونتيجة ذلك، تركّزت استعدادات الجيش، بقرار سياسي مباشر، على الساحة الشمالية وإيران، فيما طُلب من الجيش إبقاء غزة «هادئة وبعيدة عن التصعيد» قدر الإمكان.
ووفق إفادات المسؤولين أمام لجنة ترجمان، شكّل هذا التوجيه السياسي عاملًا حاسمًا في إحباط أي مبادرة ضد حماس، باستثناء عمليات محدودة كتصفية قائد الجهاد بهاء أبو العطا في نوفمبر 2019، وهي عملية دفعت إليها القيادة الجنوبية لعدة أشهر قبل أن يوافق نتنياهو عليها بعد تعرضه للإحراج بصواريخ أُطلقت نحو أسدود خلال فعالية سياسية.
