أمد/ رام الله: أكد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” في اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، أن هذه المناسبة ليست حدثاً بروتوكولياً أو يوماً إحيائياً عابراً، بل لحظة تأمل عميقة في قدرة العالم على حماية الإنسان من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية. وشدد مركز “شمس” على أن الإبادة الجماعية ليست مجرد انتهاك جسيم، بل هي جريمة تُرتكب بهدف محو جماعة بشرية كاملة، ومسح وجودها ورمزيتها وهويتها من سجل التاريخ، ولذلك فإن الوقوف عند هذا اليوم هو موقف أخلاقي قبل أن يكون موقفاً سياسياً أو قانونياً.

وقال مركز “شمس” يأتي هذا العام ليحمل دلالة مضاعفة، إذ يصادف الذكرى العاشرة لاعتماد هذا اليوم الدولي، وفي الوقت نفسه يمر أكثر من عامين على واحدة من أبشع المآسي الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث شهد العالم بأكمله مشاهد الدمار الهائل، وسقوط عشرات الآلاف من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، وتدمير الأحياء السكنية فوق رؤوس ساكنيها، واستهداف المستشفيات والمدارس والملاجئ، ومنع الغذاء والدواء والماء والوقود، في صورة مكتملة لأركان جريمة الإبادة الجماعية كما عرفها القانون الدولي. وأكد مركز “شمس” أن ما جرى في غزة خلال عامي العدوان لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل ارتقاء واضح إلى مستوى الجريمة الدولية الأشد خطورة، جريمة تستهدف جماعة بشرية محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، جريمة ارتكبت بنية واضحة لإهلاك السكان والتسبب في أذى جسيم لهم ولوجودهم.

وذكّر مركز “شمس” بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها الصادر في أيلول 2025 رقم ‎A/RES/79/328‎، عبرت بوضوح عن قلقها العميق من استمرار وقوع الإبادات الجماعية رغم كل ما بذله المجتمع الدولي من جهود. ويشدد القرار على مسؤولية الدول كافة عن حماية سكانها من هذه الجريمة، ومنع التحريض عليها، ومحاسبة مرتكبيها، دون تأخير أو تردد أو اعتبارات سياسية. وطالب مركز “شمس” المجتمع الدولي بأن يتعامل مع ما يجري في الأرض الفلسطينية بالمعايير ذاتها التي وضعت لمنع الإبادات الجماعية حول العالم، وأن يواجه روايات التحريض، وأن يوقف عمليات القتل، وأن يضمن دخول المساعدات الإنسانية، وأن يحاسب من أصدر أوامر القتل أو نفّذها أو شارك فيها بأي شكل.

وفي هذا السياق، شدد مركز “شمس” على أن نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية قد وضع تعريفاً دقيقاً لجريمة الإبادة الجماعية في مادته السادسة، وحدد الأفعال التي تشكل هذه الجريمة، بما في ذلك القتل وتسبب الأذى الجسدي أو العقلي، وإخضاع المجموعة لظروف حياة تؤدي إلى فنائها، ومنع الولادات، ونقل الأطفال قسراً. وأكد مركز “شمس” أن الأفعال التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة تنطبق عليها عناصر هذا التعريف بشكل واضح، وهو ما دعا العديد من الهيئات الحقوقية الدولية والجهات الأممية إلى توصيفها كجرائم محتملة للإبادة الجماعية. وطالب مركز “شمس” المحكمة الجنائية الدولية بأن تمضي قدماً في تحقيقاتها، وأن تظهر استقلاليتها، وأن تضع العدالة فوق الضغوط السياسية، وأن تكون وفية لفلسفة النظام الأساسي، التي نشأت أصلاً بهدف منع تكرار الجرائم التي شهدها القرن العشرون.

وشدد مركز “شمس” على أن مكافحة الإفلات من العقاب ليست مجرد خطوة في اتجاه العدالة، بل هي شرط أساسي لمنع تكرار الجرائم. فمرتكبو الإبادة الجماعية يراهنون غالباً على أن العالم سينسى، وأن الضحية ستهزم مرتين  ، مرة حين تُقتل، ومرة حين تُمحى ذاكرتها ويتهرب الجناة من الحساب. ولذلك يدعو مركز “شمس” كل الدول الأعضاء، والمؤسسات الدولية، والمجتمع المدني، إلى دعم كل الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي الجرائم في فلسطين، وإلى رفض تسييس العدالة الجنائية الدولية، وإلى الدفاع عن استقلال المؤسسات القضائية الدولية.

وقال مركز “شمس” أن إحياء هذه الذكرى يفرض علينا أن نسأل أنفسنا لماذا تستمر الإبادات في القرن الحادي والعشرين، رغم وضوح القوانين الدولية ورغم آلاف الصفحات من الاتفاقيات والإعلانات، وأكد مركز “شمس” أن ضعف الإرادة السياسية، وانتقائية تطبيق القانون الدولي، والازدواجية في التعامل مع الضحايا، هي الأسباب الحقيقية وراء استمرار الجرائم الكبرى. فحين يُقتل المدنيون في غزة، ويهدم مجتمع كامل أمام أعين العالم، ولا يحدث تدخل فعال لوقف الجريمة، فإن الرسالة التي ترسل إلى الجناة هي أن الإبادة جريمة يمكن ارتكابها دون خوف كبير من العقاب. ولهذا يطالب مركز “شمس” بإعادة الاعتبار للقانون الدولي، ووقف صمته الانتقائي، وبناء منظومة عالمية تحكمها القواعد لا المصالح.

وشدد مركز “شمس” على أن الذكرى العاشرة لليوم الدولي ليست مناسبة للحداد فقط، بل فرصة للتعلم، ولتطوير آليات الإنذار المبكر، وتعزيز التعليم الذي يربي الأجيال على قيم التسامح والعدالة ورفض خطاب الكراهية، وتطوير أدوات قادرة على التنبؤ بعوامل الخطر، وبناء تعاون دولي متعدد الأطراف يواجه حالات التحريض ويعالج جذور الصراعات. وأكد مركز “شمس” أن المجتمع المدني الفلسطيني جاهز ليكون شريكاً في هذه الجهود، وأن شهادات الضحايا، وتوثيق الجرائم، ومعالجة آثارها النفسية والاجتماعية، كلها أدوات لا غنى عنها في بناء ذاكرة جمعية قادرة على منع التكرار.

وفي هذا اليوم، دعا مركز “شمس” كل المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية إلى استحضار معاناة الضحايا، وإحياء ذكراهم باحترام، والنظر إلى قطاع غزة ليس فقط باعتبارها ساحة حرب، بل باعتبارها مكاناً شهد على جريمة لا يجوز للعالم أن يمر عليها مرور الكرام. وأكد مركز “شمس” أن الضحايا ليسوا أرقاماً، وأن لهم أسماء ووجوهاً وبيوتاً وأحلاماً وحياة سلبها الاحتلال منهم. وطالب مركز “شمس” بأن يكون صوت الضحايا مركزياً في أي نقاش دولي حول مستقبل العدالة، وبأن يكون حضورهم المعنوي جزءاً من صياغة السياسات التي تمنع تكرار الجرائم.

 

واختتم مركز “شمس” بيانه بالتأكيد على أن العالم، بعد عشرة أعوام من تبني هذا اليوم الدولي، مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية، وأن يعمل بلا تردد على حماية الشعوب من الإبادة الجماعية، وأن يضمن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. كما جدد مركز “شمس” التزامه الكامل بالاستمرار في توثيق الجرائم، والدفاع عن حقوق الضحايا، ودعم الجهود الدولية الرامية إلى إنصافهم، والعمل مع كل الشركاء من أجل بناء مستقبل يحترم الإنسان وكرامته، ويمنع تكرار الفظائع التي شهدتها فلسطين والعالم.

وطالب مركز “شمس” المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية والحقوقية بأن ترتقي إلى مستوى مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية، وأن تتعامل مع جريمة الإبادة الجماعية كقضية لا تحتمل الصمت أو المجاملة الدبلوماسية. وأكد مركز “شمس” أن دور هذه المنظمات لا يجب أن يقتصر على إصدار البيانات أو التعبير عن القلق، بل عليها أن تتحرك بفاعلية، وأن تدعم آليات المساءلة الدولية، وأن توفر الحماية للمدنيين، وأن تضع ثقلها السياسي والحقوقي في خدمة الضحايا. وشدد مركز “شمس” على ضرورة أن تعمل هذه المؤسسات على توثيق الجرائم، وتمكين الضحايا من الوصول للعدالة، ودعم التحقيقات المستقلة، والضغط على الدول للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، لأن أي تراجع أو تردد من هذه الجهات يساهم عملياً في استمرار المعاناة ويمنح الجناة مساحة إضافية للإفلات من العقاب.

شاركها.