
أطياف
طيف أول:
المرآة التي تدين الملامح في كل مرة، خرجت زواياها تهمس بالسقوط!!
ولن نسمح للإسلاميين الذين أسقطتهم الثورة ولا للدعم السريع بالعودة إلى المشهد مجددًا)، تصريح أدلى به القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان.
خطاب يعكس حالة ارتباك واضحة، تكشف أن الجنرال ما زال يمارس هواية القفز على حبل التصريحات؛ فتارة يرضي الإسلاميون بقوله (ما في كيزان في الجيش)، وهي العبارة “المريحة” التي تشكّل طوق حماية لهم، وتشتّت الأنظار عن مراقبتهم كفاعل رئيسي في ميدان الخراب، يعيثون فسادًا ودمارًا.
فالبرهان عندما يقول: أين هم الكيزان؟
يجب أن يبدأ بنفسه، أليس هو رئيس المؤتمر الوطني في محلية نيرتتي الذي أخبرنا عنه أمين حسن عندما قال إن البرهان أكثر من عضو في الحزب؟! فالجنرال أصبح يصرّح بخطابات باهتة، مستهلكة، متناقضة، لا تسمن ولا تُغني من جوع، لأنه فقد مصداقية القول الذي يتبعه الفعل.
ولكن لماذا اختار البرهان هذا التوقيت ليضع الإسلاميين في كفة الدعم السريع، أي في مكان القوى المدنية (المليشيا والقحاته)!!
وهو الذي يصمم على مواصلة حربه مع الفلول ضد الدعم السريع، الأمر الذي ظهر في قوله (لا يوجد حل للأزمة السودانية إلا عسكريًا). إذن ما الذي جعله يهدد بإبعاد الإسلاميين في هذا التوقيت؟
فالجنرال يرى الآن أن التنظيم ضُرب في مقتل بقرار تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، وهو القرار المتوقع اعتماده من قبل الإدارة الأمريكية، والذي يدفعه قرار الكونغرس بتصنيفهم في جميع أنحاء العالم، بما فيهم إخوان السودان.
القرار يكسر شوكتهم في الخارج والداخل، ويجعل كلمتهم أضعف، ليس على القرار السيادي في السودان، وإنما على الجنرال المقيد في حصونهم. فالقرار يمنح البرهان في البداية أقل حقوقه (حرية التعبير).
وكنا قد تحدثنا أن قائد الجيش في رحلته إلى أمريكا أبلغ مسعد بولس أنه موافق على السلام، لكنه نقل مخاوفه إلى الإدارة الأمريكية بأن الميدان يسيطر عليه الإخوان المسلمون، وأن قرار وقف الحرب بيدهم. وعاد البرهان إلى مطرحه بعد أن برّأ نفسه من مسؤولية استمرار الحرب، وهذا ربما يكون من أهم الأسباب التي جعلت أمريكا تتحدث عن ضرورة تنقية الجيش من الوجود الإخواني، لأن شهادة البرهان بوجودهم في القوات المسلحة ليست فوقها شهادة.
وبالأمس حملت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (نوفمبر 2025)، والتي نشرها البيت الأبيض، وفي صفحتها رقم 29، فقرة (أفريقيا الثانية)، موقفًا واضحًا للرئيس الأمريكي من وجود الإخوان المسلمين في القارة الأفريقية. وجاءت الفقرة 29 كالآتي: (هناك فرص للانخراط في التفاوض لإيجاد حلول وتسويات للنزاعات في الكونغو الديمقراطية، رواندا، والسودان، ومنع نزاعات أخرى من الاشتعال في إثيوبيا، الصومال، وإريتريا. كما يجب أن نكون على حذر من النشاط الإرهابي الإسلامي الذي يطل برأسه في أجزاء من أفريقيا، مع تجنب أي التزامات بوجود عسكري أمريكي في القارة).
وتؤكد الاستراتيجية أن دور الولايات المتحدة في أفريقيا سيكون دبلوماسيًا بالدرجة الأولى، عبر دعم المفاوضات والحلول السياسية للنزاعات القائمة.
لكن الوثيقة التي قالت إنها تستبعد وجود جنود أمريكيين على الأرض، لم تقل إن أمريكا لن تدعم وجود جنود من جنسيات أخرى أو وجودها على الأرض عبر آليات مثل المراقبة والمسيرات!! وتزامنًا مع ذلك، قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مع تعثر جهود وقف إطلاق النار في البلاد!!
وتقديم ترامب للحل السياسي على الحل العسكري يعني أن البرهان موافق على التفاوض، وأن أمريكا ليست بحاجة إلى التدخل العسكري طالما أن طرفي الصراع أبديا رغبة في التفاوض. لذلك فإن خطاب البرهان عن استمرار الحرب وأن الحل سيكون عسكريًا هو خطاب تقتضيه المرحلة الآنية، مرحلة وجود الكيزان وسيطرتهم على الميدان. ولكن عندما تعتمد أمريكا قرار التصنيف الكامل سيعلن البرهان موافقته على الحوار والسلام.
وتصنيف الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا يكشف فشل الدبلوماسية الانقلابية في تسويق مشروعهم، وتسويق الحرب، وقبلها تسويق الانقلاب، وبعدها فشل مطالبتهم بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وفشلهم في الحصول على قرار لمحاسبة دولة الإمارات. كلها مطالب لم تجد أذنًا صاغية عند المجتمع الدولي، مما يعني أن الدبلوماسية الكيزانية بالخارج أصبحت تشكّل عبئًا على الدولة، وأن السفراء بالخارج يجب أن تطالبهم الدولة بتقديم استقالاتهم أو إعفائهم. لأن حصار التصنيف للإخوان، الذي تدق طبوله الآن الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكون سببًا في سقوط النظام، ولكنه سيكتب نهايته حقبة سياسية ودبلوماسية مظلمة. وقتها سيكون صدقًا: ما في كيزان.
طيف أخير:
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: (من “الصادم” أن نرى التاريخ يعيد نفسه في كردفان بعد وقت قصير من الأحداث المروعة في الفاشر.. ويجب ألا نسمح بأن تلقى كردفان نفس مصير الفاشر).
تصريح إنساني، لكنه يكشف حالة الميدان العسكري، وأن الدعم السريع يتمدد!!
المصدر: صحيفة التغيير
