منذ أيام، ومحافظة حضرموت اليمنية، تشهد تصعيدا مسلحا، يهدد أمن الملاحة، وينذ بفوضى قد تغرق المنطقة، نظرا لحساسيتها للأمن الإقليمي، بحسب مراقبين.
وأعلنت شركة “بترومسيلة”، التي تعمل على التنقيب والإنتاج وتكرير النفط في منطقة المسيلة، إيقاف أعمالها. وأوضحت أنها اضطرّت إلى وقف عمليات الإنتاج والتكرير بصورةٍ كاملة في حقول وآبار ومنشآت بقطاع (14) والقطاع (10).

وقالت في بيان الاثنين 1 ديسمبر 2025، إن إيقاف أعمالها “يُعد إجراءً من أولويات قواعد الأمن والسلامة الأساسية والصارمة للصناعة النفطية في الحالات الأمنية الطارئة؛ وذلك حرصًا من الشركة على أرواح العاملين والمجتمعات المجاورة وعلى سلامة المنشآت في القطاع والحفاظ على البيئة في المناطق المجاورة”.

وقالت إن توقف أعمالها يأتي حرصًا على عدم تعرض المواد النفطية والغازية في الخزانات والمنشآت لأي حادثٍ عرضي جرّاء أي اشتباكاتٍ مسلحة.” وأكدت أن “حدوث أي اشتباكاتٍ مسلحةٍ قد يؤدي إلى حوادث كارثية وخسائر هائلة، لا يُحمد عقباها.”

ومن بدورها أعلنت مؤسسة الكهرباء بوادي حضرموت خروج منظومة الكهرباء عن الخدمة وبشكل شبه كامل، وذلك نتيجة توقف المحطات الغازية بترو مسيلة والجزيرة عن العمل بسبب انقطاع إمدادات الغاز القادمة من شركة بترومسيلة.

وأوضحت في بيان، أن توقف الإمداد أدى إلى خروج ما يزيد عن 85% من القدرة التوليدية لمنظومة الكهرباء، الأمر الذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن معظم مناطق الوادي.

ودعت المواطنين إلى تقدير هذا الظرف الخارج عن إرادتها. وأكدت أن “الفرق الفنية في حالة جاهزية كاملة لاستئناف العمل فور استئناف ضخ الغاز ووصول الإمدادات اللازمة لتشغيل المحطات الغازية”.

تصعيد يفسح الطريق للتطرق

وفي سياق متصل، حذّر نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، اللواء الركن فرج سالمين البحسني، من تداعيات ما وصفه بـ«التمرد المسلح» الذي تقوده مجموعات قبلية في محافظة حضرموت، وتحدث عن ظهور “بؤر لتنظيمي داعش والقاعدة، بالإضافة إلى تجمعات للحوثيين” في وادي حضرموت، حسب ما أفادت به قناة قناة “عدن المستقلة”.

وقال إن التصعيد الحالي قد يقود إلى «سفك الدماء وانهيار مؤسسات الدولة»، في واحدة من أكثر المحافظات اليمنية حساسية للأمن الإقليمي وتدفق الطاقة العالمي.
وأشار إلى أن محاولة السيطرة على منشآت شركة «بترومسيلة» تمثل «عملاً تخريبيًا وانقلابيًا» أدى إلى انقطاع الكهرباء وتعطيل إمدادات الوقود في مدن الساحل والوادي، ما أدخل مناطق واسعة من المحافظة في حالة شلل خدمي.

وجاءت هذه التصريحات، بعدما أغلق مسلحون قبليون، طرقًا رئيسية لنقل الوقود، ونصبوا نقاط تفتيش غير شرعية بالقرب من الحقول النفطية في مناطق متفرقة من الهضبة الحضرمية، ما فاقم من حالة التوتر وعرقل حركة الإمدادات الحيوية، وكالة الأنباء الصينية (شينخوا).

وأشارت نقلًا عن معلومات استخباراتية، إلى أن بعض الفصائل المشاركة في التصعيد نسّقت سرًا مع عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، في محاولة لاستغلال التوترات القبلية وضرب قوات النخبة الحضرمية وإضعاف سيطرة الدولة على المحافظة.

محاولة للعودة

حضرموت التي تعد أكبر منتج للنفط في اليمن، كان تنظيم القاعدة قد سيطر عليها سنة 2015، وحوّلها إلى أحد أخطر معاقله في المنطقة، حيث إعدامات ميدانية بحق مدنيين وصحفيين، واستولى على موارد مالية كبيرة من عائدات النفط والموانئ.

وفي سنة 2016، قوات النخبة الحضرمية، بدعم من التحالف العربي، في طرده منها عام 2016، لتخلص بذلك سكان المنطقة، من واحد أكثر التنظيمات الإرهابية عنفا.
في غضون ذلك، تشير تقارير، إلى أن التنظيم يسعى خلال التصعيد الحالي، إلى استعادة موطئ قدم في المحافظة، مستفيدًا من حالة الفراغ الأمني، والطبيعة الجغرافية الوعرة لوادي حضرموت، واحتدام الخلافات بين القوى المحلية والقبلية.

ومنذ أشهر، تحاول القاعدة، العودة إلى حضرموت، ففي شهر أغسطس 2025، أعلنت اللجنة الأمنية العليا في ساحل حضرموت “وجود معلومات تفصيلية عن عناصر مندسة تابعة لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة، بالإضافة إلى عناصر حوثية تسعى لإثارة الفوضى في ساحل حضرموت”.

ولفتت إلى أن عناصر القاعدة ومليشيات الحوثي “بتوزيع مبالغ مالية لإحداث الفوضى وإقلاق السكينة العامة، بالإضافة إلى إطلاق النار على الأطقم العسكرية في ساحل حضرموت”. وأشارت إلى “تحقيق نجاح باهر في رصد تحركات عدد من القيادات البارزة في تنظيمي القاعدة والحوثيين”.

استراتجية جديدة

ومن جهة أخرى، كشف تقرير أصدره مرصد الأزمات التابع لمركز P.T.O.C Yemen خلال سبتمبر 2025، أن مليشيات الحوثي قامت بتحويل السجون إلى معامل مغلقة لإعادة تدوير عناصر القاعدة، وتجهيزهم كأذرع أمنية وميدانية لجهاز مخابرات المليشيات.

وأوضح أن “جهاز الأمن والمخابرات للحوثيين أنشأ مشروعًا باستراتيجية ممنهجة تستهدف استغلال حالة الفراغ الأمني وتدوير العناصر الجهادية السابقة لصالح مشروعهم، ضمن خطة تشاورية اعتمدت على استقطاب قيادات عليا وتوظيفهم في أدوار عملية متعددة من قيادة خلايا سرية مرورًا بتأسيس واجهات سياسية واجتماعية وانتهاءً بتشكيل وحدات عسكرية”.

وذكر أنه لا يقتصر “تأثير هذه الاستراتيجية على عنصر التجنيد فحسب بل تتضمن آليات تنفيذية متكاملة بإنشاء معسكرات تدريب سرية في محاور مثل صعدة وعمران وذمار، ومنح المفرج عنهم امتيازات مادية (أسلحة، سيارة، ورواتب بالعملة الصعبة تصل لـ 260 دولارًا أمريكيًا للفرد الواحد وامتيازات اجتماعية (حماية للعائلة أو ترتيبات زواج مثلما يحدث في أبين وشبوة لعدد من العناصر التي تم ويتم تتبعهم).

الملاحة الدولية في مرمى النار

في غضون ذلك، يؤكد خبراء أمنيون أن سقوط المحافظة في حالة فوضى قد يحوّلها مجددًا إلى منصة لتهديد الملاحة الدولية وطرق التجارة العالمية. كما أكدوا أن ذلك يضاعف من التحديات الأمنية في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية لتدفقات الطاقة والسلع الاستراتيجية.

ويشهد الممر الملاحي الممتد من بحر العرب مرورًا بخليج عدن وباب المندب وصولًا إلى قناة السويس، عبور كميات كبيرة من النفط والغاز الموجهة إلى أوروبا وآسيا، ما يجعل أي اضطراب أمني فيه عامل ضغط مباشر على أسعار التأمين البحري وكلفة الشحن وسلاسل الإمداد.

وخلال العام الماضي، قامت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، باستهداف السفن والناقلات في البحر الأحمر وبحر العرب، ما أدى بحسب تقارير، إلى صدمات اقتصادية لبعض القطاعات الصناعية في أوروبا التي تعتمد على سلاسل توريد آسيوية بخاصة من الصين مثل صناعة السيارات في ألمانيا وغيرها.

وتجدر الإشارة، إلى أنه يمر عبر مضيق باب المندب، ما يصل إلى نسبة 10 في المئة من النفط المشحون بحراً بالناقلات في العالم، ويمثل الممر الملاحي أهمية للتجارة بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس، كما أنه بالغ الأهمية لتجارة الدول المطلة على البحر الأحمر وغالب الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.