أكد عثمان ابن غزالة، المدير التنفيذي لمنظمة APSEM، أن تنظيم المائدة المستديرة الثالثة التي نظمها صندوق التعاضد المهني المغربي، بمناسبة الدورة الثانية عشرة لليوم الدراسي حول الصحة، أمس الأربعاء، يحمل أهمية بالغة لربط قضايا صحة العمال بالمسؤولين والمديرين الحاضرين، موضحا أن التدخل يرتكز أساسًا على الصحة النفسية داخل بيئة العمل، وفهم أسباب المشكلات التي تؤدي إلى التوتر والاضطراب النفسي.

وأشار ابن غزالة في كلمته، إلى أن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه هو: من أين يأتي ذلك الشعور السيئ في العمل؟ ولماذا تتحول بيئة العمل، أحيانا، إلى مصدر للإرهاق والمعاناة النفسية؟ موضحا أن الإنسان في عمله يواجه طلبات متزايدة وحمولات جسدية أو ذهنية، وأن التوتر ينشأ أساسًا من عدم التوازن بين هذه الطلبات والموارد المتاحة لمواجهتها.

وأوضح أن نموذج كاراسيك يفسر الأمر بعدم التوازن بين الطلبات ودرجة التحكم أو حرية اتخاذ القرار؛ فكلما زادت المهام مقابل ضعف القدرة على التحكم أو توقع النتائج، ارتفع مستوى التوتر، غير أن الدعم الاجتماعي داخل المؤسسة سواء من الزملاء أو من الإدارة يمكن أن يخفف منه.

وأضاف أن نموذج سيغريست يقدم زاوية أخرى، حيث يربط الضغط النفسي بالفجوة بين الجهود المبذولة والمكافآت المتحصلة، مبينًا أن الاعتراف المعنوي البسيط، مثل كلمة “شكرًا”، قادر على الرفع من الدافعية، في حين أن غيابه يمسّ بشكل مباشر صحة العامل النفسية ومردوديته.

كما أشار إلى أن النموذج الثالث يركز على إعادة التوازن بين الموارد والطلبات، معتبرًا أنه أمر ضروري خصوصًا في سياق التحولات الحديثة لأساليب العمل، مثل العمل عن بعد أو العمل الهجين، الذي أثبتت الدراسات حسب قوله أنه لا يزيد الإنتاجية كما يُروَّج له، بل يضاعف التوتر نتيجة الخلط بين الحياة المهنية والشخصية، حتى داخل الفضاءات المنزلية الخاصة كطاولة الإفطار.

وتوقف ابن غزالة عند ظاهرة “السمنة المعلوماتية” التي تُغرق دماغ الموظف بعدد هائل من الرسائل الإلكترونية والمكالمات المتواصلة، إضافة إلى رسائل العمل الليلية الناتجة عن الفوارق الزمنية بين الدول، مما يؤثر سلبًا على جودة النوم ويخلق شكلاً جديدًا من التوتر التقني.

وأوضح أن أطباء العمل اليوم يعتمدون مقاييس دقيقة لرصد التوتر والاحتراق المهني، إضافة إلى بارومترات مخصصة لقياس مؤشرات الصحة النفسية داخل المؤسسات، مما يتيح وضع خطط واستراتيجيات وقائية فعّالة مبنية على معطيات واقعية.

وفي السياق ذاته، شدد ابن غزالة على أهمية الرياضة في مكان العمل، مؤكدًا أن الدراسات أثبتت أن الممارسة المنتظمة للنشاط البدني تقلل من معدلات الغياب وترفع الإنتاجية.

وأشار إلى أن العديد من الدول تبذل جهودًا كبيرة لتعزيز النشاط الرياضي داخل المؤسسات المهنية لمواجهة الخمول وتحسين الصحة الجسدية والنفسية للموظفين.

وكشف أن جمعية تعزيز الرياضة في الشركات تعمل على إدماج الرياضة في الحياة اليومية للأجراء عبر تنظيم أنشطة وفعاليات رياضية، وتوفير البنية التحتية الضرورية لذلك، مثل غرف تغيير الملابس والشراكات مع النوادي الرياضية، بما يضمن خلق بيئة عمل أكثر صحة وتوازنًا.

من جهتها، قالت الدكتورة سارة طويرسي، طبيبة نفسية ومعالجة نفسية ومستشارة طبية، إن دور المعالج لا يقتصر على تقديم الإرشادات فقط، بل يساعد المريض أيضًا على تكرار بعض المفاهيم ودمجها في حياته اليومية، لأن العادات المتجذرة صعبة التغيير والاقتلاع، مما يجعل التكرار والإلحاح على الأساسيات أمرًا جوهريًا في العملية العلاجية.

وأشارت إلى أن ممارسة الرياضة تعد من أهم الآليات الداعمة للصحة، إذ أثبتت فعاليتها على المستوى الجسدي من خلال تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية، والوقاية من الأمراض الاستقلابية، مما يجعلها مفيدة لمرضى السكري واضطرابات الدهون دون أي جدل علمي حول فوائدها.

وأضافت أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الجانب الجسدي فقط، بل أصبح النشاط البدني عنصرًا أساسيًا في الرعاية النفسية الحديثة، حيث يؤكد الأطباء النفسيون وعلماء النفس والمتخصصون في هذا المجال أن الحديث عن علاج نفسي اليوم لا يمكن أن يتم دون إدراج الرياضة، سواء لدى المرضى المصابين بأمراض نفسية مزمنة أو اضطرابات عابرة.

وأوضحت الدكتورة طويرسي أن للرياضة آليات نفسية وعصبية متعددة؛ فممارسة النشاط البدني تساهم في إفراز الإندورفين والدوبامين، وهما من أهم الناقلات العصبية المسؤولة عن الشعور بالرفاهية. كما تمنح الرياضة الفرد شعورًا عاليًا بالكفاءة الذاتية عند إتمام الجلسة الرياضية، وهو شعور يعدّ ركيزة أساسية في تحقيق التوازن النفسي والرضا عن الذات، سواء على مستوى الفرد أو الموظف داخل محيط العمل.

وفي سياق متصل، أبرزت أن انتشار ذكاء البيانات وأجهزة التتبع الصحي، مثل الساعات الذكية والخواتم والتطبيقات الهاتفية، أصبح عاملاً تحفيزيًا مهمًا يرسّخ ممارسات رياضية منتظمة، حيث تعزز هذه الأدوات الشعور بالإنجاز وتساعد على تحويل الرياضة إلى عادة مستدامة.

كما أشارت إلى وجود شركات باتت توفر مساحات رياضية، حمامات، وأنشطة جماعية مثل الماراثونات والمسابقات الرياضية، مما يعزز الروابط بين العاملين ويقوي انتماءهم للمؤسسة، لأن ما يجمعهم اليوم لم يعد فقط محيط العمل، بل أيضًا أنشطة مشتركة ترفيهية وصحية تؤثر إيجابًا في الصحة النفسية والجسدية وفي جودة الحياة المهنية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.