ضمن ندوة وطنية شرّحت “تحولات الحقل الحزبي المغربي”، قال قياديون حزبيون، من الأغلبية والمعارضة، إن “الأحزاب السياسية المغربية باتت محاطة بتصورات نمطية وتهم جاهزة كرّستها اعتقادا بأنها مساهمة في المشكل لا الحل”، معتبرين أن “هامش مناورة الفاعل المنتخب ضيّق”، وأن “تخليق العملية الانتخابية يجب أن يشمل كافة أطرافها، بمن فيهم ممثلو الإدارة الترابية”.

وقال سمير بلفقيه، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، خلال الندوة المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، تحديدا فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري، وماستر الدراسات السياسية والدستورية والإدارية، إن “الاستعمال الكبير للمال أدى إلى تراجع مكانة الأحزاب في تدبير الشأن العام. كما جرت خلخلة دورها في الوساطة بفعل وسائل التواصل الاجتماعي”.

وسجّل بلفقيه، في مداخلته، أن “هامش المناورة يبقى ضعيفا لدى الفاعل الحزبي بحكم تدخل أطراف أخرى في التدبير”، مردفا أن “وضعية الحقل الحزبي تدفع المواطن إلى الإحجام عن الانخراط في أوراش التنمية”.

ويرى حزب الأصالة والمعاصرة، وفق عضو مكتبه السياسي، أن “أحد أبرز مداخل حل الإشكاليات التي يعيشها المشهد الحزبي الوطني، يتمثل في تخليق تدبير الشأن العام، والاستماع إلى المواطن من طرف المنتخبين بطريقة دورية، لا الانتظار حتى المحاسبة حين الانتخابات”.

تعميم “مغلوط”

عبد الجبار الراشيدي، رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال، قال إن “الأحزاب السياسية لا يمكن تحميلها كل الشرور والإخفاقات، فاستحضار الشرط التاريخي ضروري لتحليل موضوعي”، موضحا أن “الأحزاب الوطنية والديمقراطية، وفي مقدمتها حزب الاستقلال، مرّت بظروف صعبة: اعتقالات وتضييق على الحريات وتزوير لإرادة الناخبين وصناعة الخريطة السياسة”.

وأضاف الراشيدي في مداخلته أن “فكرة التحكم في المشهد السياسي هي ما تمثّل وترسخ حتى اليوم في ذهنية المواطن”، منتقلا إلى تفنيد “الفكرة المغلوطة بأن كافة الأحزاب ‘بحال بحال’، وتطبق المشاريع والاستراتيجيات نفسها”.

ولفت المسؤول الحزبي ذاته، في هذا الصدد، إلى أن “حزب الاستقلالمثلاتبنى مرجعية التعادلية الاقتصادية وما زال يعمل على تحيينها إلى اليوم”، مردفا أن “الأحزاب تتفق على محاربة البطالة وتحقيق التنمية، لكنها تختلف في الأولويات وكيفيات تحقيق هذه الأهداف”.

كما أنه “في مثال حزب الاستقلال، نجد تأييد اليبرالية ولكن مع إعطاء الأولوية للمقاولات الصغرى والمتوسطة ودعم الطبقة المتوسطة. كذلك، لا نتفق مع بعض الأحزاب في ما يتعلّق بالحريات والفردية، وعموم القضايا الهوياتية والأخلاقية والقيمية”، وفق الراشيدي، مستدركا بأن “المؤسسة الملكية تحسم الخلاف في عدد من الأمور”،

تصورات نمطية

رشيد حموني، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، سجّل أن “الأحزاب السياسية تُكال لها اليوم، من قبل جميع الفاعلين بالمغرب، التهم بأنها غير قادرة على الترافع والتأطير وغيره”، مضيفا أن “هذه الصورة النمطية التي ترسبت لدى سياسيين أنفسهم، كرّست الاعتقاد بأن الأحزاب جزء من المشكل لا الحل”.

وأضاف حموني في مداخلته أن قطار الإصلاح السياسي بعد المكتسبات المحققة بفعل دستور 2011، “توقف، ولعّل ما زاد من تعقيد الأمر هي التحولات الاجتماعية؛ إذ نمت النزعات البراغماتية على حساب الفكر والإيديولوجيات والتطوع الحزبي، وبرزت أشكال جديدة كبديل عن الانتماء الاجتماعي”، مشيرا إلى احتجاجات الجيل “زد” ومنصة “ديسكورد” التي احتضنت نقاشاته.

وقال رئيس فريق “الكتاب”: “من مظاهر التحولات أيضا أن قوة الأحزاب أصبحت تقاس بالعدد؛ عدد النواب ورؤساء الجماعات… لا بالوزن السياسي والحضور الفاعل داخل المجتمع”، كما أن “برلماني الأغلبية بات يؤدي دور محامي الحكومة، وينعت من في المعارضة ينتقد عمل الحكومة بأنه مشوش ومبخس”.

تخليق شامل

يرى عبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن “الأعطاب السياسية التي تعاني منها الأحزاب حاليا، هي جزء من مشاكل الإطار السياسي الذي يُعد محدودا من الناحية الديمقراطية ولا يعطي لها مساحات للأفكار والإبداع”.

وسجّل حامي الدين في مداخلته أن “النظام الانتخابي ما زال معطوبا وليس مرتبطا بمعايير واضحة (…) لكل انتخابات قانونها؛ ما يشير إلى إرادة متواصلة للتدخل في تشكيل الخريطة الأساسية”.

وأضاف المسؤول الحزبي الأستاذ الجامعي في هذا الصدد: “في كل مرحلة نركّز على جانب معيّن، حاليا نركّز على التخليق”، موردا أن “منع المترشحين المتورطين يجب أن يتم بمبادرة من أحزابهم، لا بالقوانين”.

وتابع: “لكن هذا لا يعني أن الأطراف الأخرى المشاركة في العملية الانتخابية، وأساسا الولاة والعمال وغيرهم، معفية من التخليق”، متسائلا عن “الآليات العمومية للقيام بهذ التخليق”، خالصا إلى أن “أعطاب النظام الانتخابي أفرزت ضعف الأحزاب السياسية فكريا وثقافيا وعلى صعيد اتخاذ القرار”.

المصدر: هسبريس

شاركها.