بعنوان “الاختيار الاجتماعي” صدر للكاتب والروائي والناقد شعيب حليفي مؤلّف جديد يتناول سيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومعاركها الاجتماعية بالمغرب الحديث، معتبرا أن هذه المنظمة النقابية “وُجدت كضرورة تاريخية للحسم في قضايا جوهرية عرَّت عن إخفاقات السياسة الرسمية وعن العديد من بؤر الانحراف واليأس، واهتمت أساسا في مسيرتها بأربع قضايا كبرى متفاعلة ومنتجة”.
ووضّح حليفي، في مقدّمة الكتاب، أن هذه القضايا تتعلق بـ”القضية الوطنية ووحدتنا الترابية”، وكذا “القضايا القومية العربية في مواجهتها للإمبريالية والأطماع المتزايدة”، فضلا عن “التنمية الاجتماعية والاقتصادية والآثار المترتبة عن واقع الأزمة وانعكاساتها”، بالإضافة إلى “محنة الحريات وحقوق الإنسان والاختيار الديمقراطي”.
وذكر الباحث ذاته أن المنظمة “قد عَبَرَت خلال مسيرتها بمحطات عديدة من المعارك قبل وصولها إلى جني النتائج التي عممت على الطبقة العاملة المغربية؛ بدءا من إطلاق سراح المعتقلين، وملامح الانفراج، والدفع بتجربة التناوب، ثم التصريح المشترك والاتفاقات والبروتوكولات ومدونة الشغل ومكتسبات أخرى”، موردا أن “جميعها هي نصر في معركة تؤهل لمعارك أخرى من أجل تحصين المكتسبات والدفاع عنها، والنضال لأجل تحقيق ما هو أفضل في المغرب الذي نحمله في دمنا وصوتنا وأحلامنا”.
وفي تقديم “يروي ولا يختزل”، قال الكاتب: “لم يكن في خلدي أبدا التأريخ للمنظمة النقابية المغربية: الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي رسمت تواريخ جديدة في عمق التاريخ المغربي منذ 1978؛ ولكنني كنت أفكر، منذ فترة طويلة، في عمل تخييلي يستلهم كل تلك الدينامية الاجتماعية للكونفدرالية وما شيدته من أحداث وحركات وحوارات أفرزت شكلا من الصراع ‘التاريخي’، الذي بلغ حد الاقتتال في لحظات كثيرة عاشها المغاربة مشاركين أو متعاطفين أو ملاحظين”.
“معارك مستمرة”
أشار صاحب الكتاب إلى أنه “كتب هذا العمل، في ما يعتبره مساهمة صغيرة في حجمها تخفي خلفها معالم طريق طويل حافل بآلاف الأحداث والوقائع”، وقال: “كتبته اقتناعا مني في ما أراه التقاطا لبعض الأثر وبعض الضوء من أرشيف كبير قد يعكس جزءا مُهما من تاريخ المغرب والمغاربة أولا، ونموذج لمنظمة نقابية في هذا العالم (…) وقد صنعت تاريخا جديدا أصبح مثلا ونموذجا من النماذج الرائدة في العالم”.
وشدد الأكاديمي المغربي والأستاذ الجامعي على أنه “بخطابها ودينامية فعلها (…) حفرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل طريقا واضحا وعامرا بالصراع والانتصار، خلق حركية عنيفة ورجّات في المجتمع المغربي عبر مراحل غير متشابهة في عمقها يمكن الآن قراءتها وتصنيفها وفهم العديد من أسبابها”، معتبرا أنه “لا يمكن لأي كان إلا أن يكون متحيزا إلى جانب الشعب المغربي وطبقته العاملة، وهو موقف موضوعي لإثبات مسيرة منظمة نقابية سعت جهات عديدة حكومية و’متعاطفة’ مع الحكومة وأجهزتها لسنوات طويلة إلى اجتثاثها وطمس كل حركاتها الفاعلة والمنفعلة، دون أن تطول ذلك أو تدنو منه”.
وأشار الباحث إلى أنه “بالإضافة إلى أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مدرسة في مجال القيم العالية والصراع والوقوف إلى جانب الحرية والكرامة والحق، فإن كل كونفدرالي خَبَر العمل النقابي والاجتماعي هو مدرسة متنقلة”.
وتابع: “ومن ثمة، فإن سيرتها هي مجموع سير الطبقة العاملة المخلصة للمجتمع والأفق النضالي، بأرشيفهم الغني بالأحداث والمواقف؛ وبالتالي فإن كل واحد منهم يستطيع أن يفعل ما أفعله ويكتب ما أكتبه”.
ومضى حليفي قائلا: “لذلك، أشعر بأنني أدوِّن هذا الكتاب بملايين السواعد والأحاسيس، لا أقول إني صوت أنوب عن باقي الأصوات، ولكني أعبر بطريقتي التي تجعل ما أكتبه شهادة جماعية عن مرحلة معقّدة طبعت مصيرنا الجماعي.. مثلما كتب ويكتب كل مغربي مُنخرط في السياق الاجتماعي والسياسي، حكايته الصادقة وهو يصارع من أجل مجتمع جديد، في ملحمة مستمرة، يمكن أن أصفها بكل تجرد وموضوعية بأنّ يوما واحدا من زمن هذا المغربي، أكبر وأثقل مما في هذا الكتيب”.
“كتاب مفيد”
في كلمة تقديمية حرّرها الكاتب محمد عطيف، اعتبر المؤلف “من الكتب المفيدة التي ستغني دون شك الخزانة المغربية في مجال لا يزال يشكو نقصا كبيرا، وأعني به الوضع الاجتماعي ببلادنا والدور الذي قامت به الكونفدرالية الديمقراطية للشغل على مدى أكثر من ربع قرن دفاعا عن قضايا ومطالب وكرامة الشعب المغربي بصفة عامة والطبقة العاملة المغربية بصفة خاصة، مع ما قدمته من تضحيات وحققته من مكتسبات لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو من في قلبه مرض”.
وقال عطيف إن هذا “الكتاب، القليل في صفحاته والغني بالمعلومات والتواريخ التي يتضمنها، يكتسي أهميته من كونه يستعرض بأسلوب شيق وسلس مسيرة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل المليئة بالنضالات والتضحيات، وكذا عددا من الأحداث التي صنعتها أو ساهمت بشكل كبير في صنعها، والتي غيرت كثيرا من السياسات والقرارات التي كانت ستزيد الوضع الاجتماعي ببلادنا تأزما وأوضاع شعبنا وطبقتنا العاملة تدهورا”.
كما اعتبر الباحث، الذي سبق أعدّ كتابا إلى جانب حليفي سنة 2013 بعنوان “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.. تاريخ ونضال”، أن هذه المنظمة العمالية “أسالت الكثير من المداد ورصدت مسيرتها العديد من الأقلام؛ ولكنها للأسف كانت في معظمها أقلاما مأجورة وظفت في الهجمة التي استهدفتها منذ التأسيس لخنق صوتها وشل حركتها دون جدوى”.
وخلص عطيف إلى أنه “إذا كانت من مزية لهذا الكتاب، بالإضافة إلى ما سبق، فإنها مزية حث وتحفيز باقي الأساتذة والباحثين على الكتابة في الموضوع بتجرد ونزاهة، خاصة أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وفي إطار الشفافية التي طبعت وتطبع نشاطها العام ومواقفها، عملت على توثيق هذا النشاط ووضعه رهن إشارتهم”.
المصدر: هسبريس
