شهدت قاعة السفراء بقصر المؤتمرات بمراكش، عرضا مؤثرا لفيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وذلك ضمن فئة العروض الخاصة التي تقدم خلال فعاليات الدورة 22 لمهرجان مراكش الدولي.
الفيلم الذي طال انتظاره أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القصص إيلاما في الحرب على غزة، مأساة الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الخمس سنوات، التي قتلت مع ستة من أفراد عائلتها في قصف إسرائيلي استهدف سيارتهم جنوب غرب غزة يوم 29 يناير 2024.
امتلأت القاعة عن آخرها، وسُمعت أصوات البكاء بمجرد سماع الصوت الحقيقي للطفلة هند وهي تترجى فرق الهلال الأحمر ألا يتركوها وحيدة وسط جثث أسرتها وتحت وابل الرصاص الذي كان يسمع بقوة، كان صوتها يرتجف خوفا من دبابات الاحتلال التي كانت على مقربة منها، فيما كانت فرق الإسعاف عاجزة عن الوصول إليها، تنتظر لساعات طويلة إذنا إسرائيليا لتأمين خط آمن لا يبعد سوى 8 دقائق عن الطفلة.
ومع نهاية العرض، استقبل الجمهور المغربي الفيلم بتصفيقات حارة غلب عليها الحزن والذهول، في لحظة بدت أشبه بوقوف جماعي أمام مأساة إنسانية مفتوحة الجراح.
ويركز الفيلم على الساعات الأخيرة من حياة هند، ويعيد تركيب الأحداث بتوظيف المكالمات المسجلة الأصلية التي أجرتها الطفلة مع مشغلي خدمة الطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في تلك المكالمات، تتوسل هند بصوت متهدج: “أنا خائفة جدا، أرجوكم تعالوا خذوني”، بينما كان أفراد عائلتها جثثا هامدة إلى جانبها.
وبنت المخرجة كوثر بن هنية سردا سينمائيا مكثفا يجمع بين الوثائقي والدرامي، ما يضع المشاهد مباشرة داخل قلب الكارثة، شاهدا على هشاشة الطفولة في مناطق الصراع، وعلى العجز الدولي الذي أحاط بالقضية الفلسطينية.
ويظهر الفيلم أيضا اللحظات المأسوية التي تلت حصول الهلال الأحمر على الإذن الموعود للوصول إلى الطفلة، غير أن الاتصال انقطع فور وصول المسعفين إلى مكان القصف، قبل أن يتبين لاحقا أن الطفلة فارقت الحياة، وأن عاملي الإسعاف اللذين توجها لإنقاذها قتلا أيضا رغم حصولهم على الإذن وتم انتشال أشلائهما من سيارة الإسعاف المستهدفة.
وقالت الممثلة الفلسطينيةالأمريكية كلارا خوري، التي تشارك في الفيلم ضمن دور مرتبط بفريق الهلال الأحمر، إن أجواء العمل كانت مشحونة بـ”إحساس كبير بالمسؤولية” لدى كل أفراد الطاقم، سواء الممثلين أو الفريق التقني، مؤكدة أن الجميع تعامل مع قصة الطفلة هند رجب بروح احترام وتكريم لذكراها.
وأوضحت خوري، أن الرسالة الأساسية للفيلم هي توثيق معاناة هند وكل الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تجارب مشابهة أو أشد قسوة، لافتة إلى أن فرق الهلال الأحمر نفسها تواجه يوميا قصصا مؤلمة وأوضاعا إنسانية تفوق الوصف.
وشددت خوري في تصريح لـ”العمق”، على أن الفيلم يذكر بأن حياة كل طفل مهمة، وأن كل قصة فقدان لطفل أو أم أو أب هي جزء من تراجيديا يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عامين من “الإبادة والدمار المتواصل”.
وأضافت: “الفيلم يقول إن أصواتنا لا يمكن أن تصمت، وأشكر المخرجة كوثر بن هنية لأنها أعطت لهند صوتا جديدا من خلال هذا العمل”.
وعن شعورها تجاه مسؤوليتها كفنانة فلسطينية، قالت خوري إنها تشعر بـ”فخر ومسؤولية كبيرة” لكونها جزءا من المسار الفني الذي يوثق تاريخ شعبها، مؤكدة أن الفن ليس رفاهية، بل وسيلة لحفظ الذاكرة.
وبخصوص قدرة السينما على إحداث تغيير، قالت: “نعم، أؤمن بذلك تماما، السينما أداة قوية تصل إلى الجمهور العالمي وتفتح قلوب الناس على القضية الفلسطينية”.
وأشارت ذات المتحدثة، إلى أنها راضية عن دور الجيل الحالي من السينمائيين الذين ينقلون قصص العرب ومعاناتهم، معتبرة أن “السياسيين الذين يفترض أن يحملوا هذه القصص لا يملكون القوة الكافية، بينما السينما تملكها”.
المصدر: العمق المغربي
