
تزامن سقوط الفرقة العسكرية 22 في بابنوسة مع طرح تغيير علم السودان إلى علم الاستقلال يفتح بابا للتساؤل حول دلالات التوقيت في لحظة ميدانية وسياسية شديدة الحساسية.
إبراهيم هباني
سقطت الفرقة 22 في بابنوسة بصمت ثقيل. وفي اللحظة ذاتها تقريبا، انشغل الخطاب السياسي براية جديدة قديمة هي علم الاستقلال. هذا التزامن بين الميدان والرمز لم يكن تفصيلا عابرا، بل لحظة مكتظة بالدلالات في سياق حرب مفتوحة وضغوط داخلية وخارجية متصاعدة.
بابنوسة ليست مجرد موقع عسكري، بل مدينة ذات وزن اقتصادي واجتماعي خاص في غرب السودان.
عندما تسقط “عاصمة الألبان” لا يسقط موقع عسكري فحسب، بل يسقط اقتصاد يومي وحياة كاملة.
ففي عام 1960 أنشئ مصنع ألبان بابنوسة كأحد أوائل مشاريع التصنيع الغذائي في الإقليم، مستندا إلى حزام رعوي واسع وإنتاج وفير للحليب. ومنها كانت الألبان تسير مع الفجر إلى مدن بعيدة، وعلى أطرافها عاشت آلاف الأسر مع القطيع والعمل اليومي البسيط.
بابنوسة التي أطعمت غيرها بالحليب، صارت اليوم تطعم نشرات الأخبار بالدم والخسارة.
سقوط الفرقة 22 يحمل أبعادا تتجاوز الخسارة التكتيكية، لما تمثله من ثقل عملياتي ولوجستي في غرب كردفان. وفي مثل هذه اللحظات تقرأ الخطابات السياسية بقدر ما تقرأ من زاوية توقيتها لا مضمونها فقط.
فطرح تغيير العلم في ذروة هذا التطور الميداني، أعاد طرح سؤال العلاقة بين الرمز والواقع، وبين إدارة اللحظة إعلاميا وإدارتها فعليا على الأرض.
اقتراح العودة إلى علم الاستقلال يحمل شحنة رمزية تستدعي لحظة تأسيسية سبقت عهود الاستقطاب والانقلابات. غير أن طرحه في قلب مرحلة الحرب يثير بطبيعته تساؤلات حول أولويات الخطاب في زمن تتقدم فيه الأسئلة الصلبة: الأمن، والمعيشة، ومستقبل الدولة.
خارجيا، يمكن قراءة الخطاب بوصفه محاولة لإعادة تقديم سلطة الأمر الواقع في صورة غير مؤدلجة. وداخليا، يخاطب وجدان مجتمع أثقلته الحرب. غير أن المواطن البسيط، الذي لا تعنيه كثيرا تفاصيل الألوان والخطوط، لا يزال يسأل السؤال الأكثر مباشرة:
هل يتوقف الرصاص إذا تغير العلم؟
الخلاصة:
التزامن بين سقوط بابنوسة وطرح علم الاستقلال ليس مجرد تقاطع زمني، بل لحظة مفتوحة على قراءات متعددة، تبقى مرهونة بما سيتبعها من خطوات عملية على الأرض.
فالرموز لا تصنع وحدها تحولا حقيقيا ما لم تواكبها سياسات واضحة توقف الحرب وتعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع.
المصدر: صحيفة التغيير
