أجرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، مساء الأحد بالجزائر، مباحثات مع الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المكلف بعمليات حفظ السلام، جون بيير لاكروا، خصصت لبحث آخر المستجدات المرتبطة بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وذلك بالتزامن مع انطلاق الدورة الثانية عشرة لـ”مسار وهران” حول السلم والأمن في إفريقيا، التي تراهن عليها الجزائر لإنقاذ ما تبقى من حضورها الدبلوماسي في القارة.
ووفق بيان الخارجية الجزائرية، فقد استعرض الجانبان التحديات الأمنية التي تواجه القارة الإفريقية وانعكاساتها على مهام حفظ السلام، إضافة إلى النقاش حول مستقبل هذا النظام الأممي في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة. كما شكل اللقاء مناسبة لبحث وضعية بعثات الأمم المتحدة في المنطقة، بالنظر إلى الدور المحوري الذي تضطلع به في مناطق النزاع.
ويشرف الفرنسي جون بيير لاكروا على جميع بعثات حفظ السلام المنتشرة عبر العالم، من بينها بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية “المينورسو”، التي تظل ضمن مسؤولياته العملياتية والإدارية، كما يهم هذا الإشراف مراقبة التحديات الميدانية التي تواجه البعثة، وضمان ظروف عملها، وتقييم أدائها، ورفع تقارير تقنية إلى الأمين العام، في إطار متابعة مهامها واستقرار محيطها.
وعلى الرغم من أن المسار السياسي للنزاع يوجد بيد المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا، إلا أن مباحثات لاكروا مع المسؤولين الجزائريين ترتبط بمتابعة وضع المينورسو وظروف انتشارها، بما في ذلك المتغيرات التي قد تؤثر على مهامها الميدانية. وتحرص الأمم المتحدة، من خلال هذه الزيارات، على ضمان انسجام عمل البعثات مع البيئة الأمنية المحيطة، خاصة في ظل التحولات الأخيرة داخل مجلس الأمن الدولي التي تفرض الجزائر طرفا مباشرا في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ضغط أممي
تعقيبا على هذا اللقاء، قال أبا علي أبا الشيخ، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن استغلال الجزائر لحضور جون بيير لاكروا في اجتماع وهران حول السلم والأمن في إفريقيا من أجل عقد مباحثات تخص بعثة المينورسو، يثير أسئلة عديدة حول خلفيات هذا التحرك وأهدافه الحقيقية.
وأضاف أبا علي، ضمن تصريح لهسبريس، أن الجزائر التي لا تشارك في بعثات حفظ السلام الأممية ولا تساهم في تركيبتها العسكرية أو المدنية، تسعى رغم ذلك إلى الظهور في واجهة النقاش المرتبط بعمل المينورسو، في وقت يُعد فيه المغرب من بين أكبر المساهمين في البعثات الأممية المنتشرة عبر العالم، وخاصة الإفريقية منها، ويحظى بتقدير واسع من مختلف الأطراف نظير المهنية والالتزام اللذين يتميز بهما عناصره.
وأوضح المستشار الصحراوي أن الأمم المتحدة تواجه تحديات كبيرة بسبب تقلص الدعم المالي المخصص لبعثات حفظ السلام، وهو ما أدى إلى إنهاء أو تقليص مهام عدد منها، بعدما رفضت الولايات المتحدة، باعتبارها الممول الأكبر، الاستمرار في تحمل الأعباء المالية بدعوى عدم تحقيق هذه البعثات نتائج ملموسة في معالجة النزاعات.
ونبه المتحدث عينه إلى أن هذا اللقاء يشكل فرصة مهمة لمراجعة أداء بعثة المينورسو على ضوء التحديات المالية والسياسية التي تواجهها، ومناقشة انعكاسات هذه التحولات على قدرة البعثة في تنفيذ مهامها الميدانية بشكل كامل، بما يشمل مراقبة وقف إطلاق النار وضمان حرية حركة عناصرها، فضلا عن التباحث حول سبل دعمها لتعزيز فعاليتها واستمراريتها في ظل الضغط الدولي والتحولات في مواقف الدول الممولة لبعثات حفظ السلام.
كما عرج خلال حديثه على العراقيل التي تضعها جبهة البوليساريو أمام حرية الحركة لعناصر المينورسو، التي شدد عليها التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، مبرزا أن “هذه العراقيل تمنع البعثة من أداء مهامها الكاملة، وعلى رأسها مراقبة وقف إطلاق النار الذي ما فتئت البوليساريو تخرقه بشكل متكرر”.
واسترسل أبا علي أبا الشيخ قائلا إن لاكروا يسعى في ظل المستجدات الدولية وقرار مجلس الأمن الأخير إلى “دفع الجزائر نحو الضغط على البوليساريو لاحترام التزاماتها، وفتح الطريق أمام مفاوضات جدية تقوم على مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الواقعي والوحيد للحل السياسي”.
نجاح مغربي
من جانبه، سجل الشيخ بوسعيد، باحث في القانون العام مهتم بنزاع الصحراء المغربية، أن احتضان الجزائر أشغال مؤتمر “مسار وهران” يومي 01 و02 دجنبر الجاري حول السلم والأمن في إفريقيا، الذي شهد حضور جون بيير دي لاكروا، الأمين العام المساعد المكلف بعمليات حفظ السلام، يبدو كرد فعل على نجاح المملكة المغربية في تنظيم الدورة 93 للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) بمدينة مراكش، التي نالت إشادة واسعة من المسؤولين الأمنيين الدوليين.
وأوضح بوسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن استدعاء الجزائر لهذا المسؤول الأممي يعكس بالدرجة الأولى مهامه كمسؤول أول عن عمليات حفظ السلام على مستوى العالم، ومن ضمنها متابعة عمل بعثة المينورسو، من خلال عقد اجتماعات مع الفاعلين الإقليميين لتعزيز أداء البعثة الأممية، وتقييم عملها ورفع تقارير تقنية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مما يجعل وظيفته مرتبطة بشكل غير مباشر بتطورات ملف الصحراء المغربية.
وذكر المحلل السياسي ذاته أن مهمة جون بيير دي لاكروا تظل في جوهرها أمنية، في حين يظل المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا، هو المسؤول عن مسار المفاوضات السياسية المتعلقة بالوحدة الترابية، بما يشمل متابعة مجلس الأمن ورفع تقارير رسمية حول التطورات.
وأكد المتحدث أن إعلان وزارة الخارجية الجزائرية أن اللقاء تمحور حول السلم والأمن بالقارة، مع التطرق إلى ملف الصحراء، يندرج ضمن استراتيجية تهدف إلى لفت أنظار المجتمع الدولي، والتشويش على جهود المغرب في ترسيخ مبادرة الحكم الذاتي بعد اعتماد مجلس الأمن القرار 2797، الذي اعتبر المبادرة جدية وذات مصداقية وفرضها كأساس للتفاوض بين الأطراف مستقبلا.
وأضاف الباحث في خبايا النزاع أن الإشادة الدولية بالمقترح المغربي للحكم الذاتي ومستوى التنمية في الأقاليم الجنوبية، إلى جانب فتح العديد من الدول الأفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، جعل الجزائر وصنيعتها البوليساريو في موقف ضعف، وأصبح نفوذهما يتضاءل أمام القدرة المغربية على إقناع المجتمع الدولي بجدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي.
وفي هذا السياق، يرى الشيخ بوسعيد أن مثل هذه اللقاءات الجزائرية، رغم المحاولات لتسليط الضوء على ملف الصحراء، لا تغير المعطيات الواقعية على الأرض، ولا تلغي النجاح المتنامي للمقاربة المغربية على المستويين الدبلوماسي والتنموي الاقتصادي في الأقاليم الجنوبية.
المصدر: هسبريس
