
التقي البشير الماحي
قيل إن الرئيس نميري في لحظة ضيق قال إن هذا النظام لو لم يكن مقلوبًا لقام بقلبه ثانية. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع حديث الجنرال ياسر العطا وهو يخاطب جمعًا من رهطه وكلما تعالت الأصوات ارتفع إيقاع كلامه حتى غدا لا يعي ما يقول.
صرح بأنه إذا نزل إلى المعاش وبعد عدد من السنوات فازت الحرية والتغيير فسيعود ليقلبها. يتوعد وهو العاجز المتفرج وحميدتي يومًا ما كان يتوعد ويهدد بحديث يقول فيه يوم تعملوا ليكم جيش.
قالها وظل ياسر العطا الذي يتوعد المدنيين اليوم يحييه صباح مساء ويتحدث عنه وعن قواته بوصفها تمثل كل السودان وكأنها المثال الحي على القومية النبيلة.
تحدث عنهم كما تحدث عن أشخاص في الحرية والتغيير عددهم بالاسم وأنعم عليهم بوصف أطهر وأنزه السودانيين ثم عاد وسلبهم ذلك الوصف كما فعل مع الجنجويد.
عن أي انقلاب يتحدث وهو يتربع على عرش انقلاب فعل بالسودانيين الأفاعيل؟ لو كان يملك ذرة من حياء لتقدم باستقالته أمس قبل اليوم هو ومن معه من العسكريين فلا يمكن تصور فشل أمني أكبر من الذي حدث في عهدهم.
خرج علينا يومًا ليحدثنا عن تهريب حميدتي للذهب إلى دولة الإمارات. وليته صمت حتى لا ينطبق عليه القول عندما اختلف اللصان ظهر المسروق فالسكوت عن الحق يحول الإنسان إلى شيطان أخرس وقد جاء في الأثر أنه عندما أراد الله هلاك أهل قرية قيل له إن بها عبدك الصالح فلان فكان الجواب به ابدأ فإنه لم يتعمر في ساعة.
يحدثنا عن تهريب حميدتي لذهب السودان بعد أن اختلفوا في الغنيمة.
يخرج علينا ياسر العطا وإمعانًا في ذر الرماد في العيون وبمنطق مضطرب ليحصي عدد الإسلاميين في الجيش في الهواء الطلق وخلاصة حديثه أن جميع الإسلاميين حصروا وأبعدوا وأن عدد المنتمين لحزب الأمة يساوي عدد الإسلاميين بمنطق أنا والكاشف أخوي.
أي عاقل يمكن أن يصدق هذا والجيش منذ عام 1989 يسيطر على قيادته الإسلاميون بعد أن دفنوا بعض ضباطه بالليل كما قال شيخهم علي عثمان في حديث مسجل بالصوت والصورة.
أما الحديث المكرر عن أن الجيش لم يقم بانقلاب إلا وكان المدنيون خلف ذلك الانقلاب فهي سردية مضللة تصور المؤسسة العسكرية كأنها قاصرة عن إدراك خطر الانقلابات على الأمن القومي وعلى مستقبل السودان الذي ظل يحكم بالانقلابات معظم سنوات استقلاله.
تحصين الجيش يكون بوضع القوانين واللوائح التي تمنعه من التدخل في السياسة لا بفتح أبوابه لكل من يطرقها ليلًا حتى ضحك علينا البعض وقال إن كل من استيقظ فجرًا من العسكريين يمكنه أن يستولي على السلطة ويذهب إلى القصر رئيسًا.
المصدر: صحيفة التغيير
