كشفت منظمة أفريكا ووتش عن استغرابها الشديد لما وصفته بـ “المغالطات والإسقاطات” التي أدلى بها ممثل جبهة البوليساريو، أبي بشرايا البشير، لقناة “بي بي سي عربي”، مؤكدة أن تصريحاته قدمت صورة مضطربة للتنظيم وعكست ضبابية في تصور الحل السياسي لنزاع الصحراء. جاء ذلك في تصريح لرئيس المنظمة، عبدالوهاب الكاين، لجريدة “العمق”، حيث أوضح أن مسألة إحصاء سكان مخيمات تندوف أصبحت لغزا مستعصيا ليس لتحديات لوجستية، بل بسبب رفض متعمد ومستمر من الجزائر والبوليساريو للسماح بإجرائه على مدى خمسة عقود.
وكان أبي بشرايا البشير، المستشار الخاص لزعيم الجبهة الانفصالية، قد زعم خلال استضافته في برنامج بلا قيود بقناة “بي بي سي عربي” أن الأمم المتحدة قامت بإحصاء اللاجئين مرتين، آخرها قبل سنتين، وحددت عددهم بنحو 173 ألف لاجئ، وهو ما يتناقض مع دعوات الأمم المتحدة المتكررة لإجراء إحصاء دقيق وشفاف لسكان المخيمات.
وأكدت الكاين ضمن تصريحه أن هذا المنع الممنهج للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أداء إحدى وظائفها الجوهرية، وهي إحصاء الأشخاص المكلفة بحمايتهم، يمثل انتهاكا جوهريا لحقوق الصحراويين في المخيمات، وفي مقدمتها حيازة مركز قانوني يضمن لهم حماية أممية بموجب الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها الملحق لعام 1967.
ووفقا لما أورده المصدر، فإن تفويض الجزائر لإدارة المخيمات لجبهة البوليساريو، بوصفها تنظيما عسكريا، ينتهك القانون الدولي، حيث يجب أن يكون اللاجئون مدنيين، كما أن عسكرة بيئات اللجوء تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية.
وأوضحت المنظمة أن الادعاء بأن هيئات الأمم المتحدة قامت بعمليتي إحصاء هو من قبيل ترويج الأخبار الزائفة، مشيرة إلى أن قرارات مجلس الأمن المتكررة، بما فيها القرار الأخير رقم 2797، ما زالت تدعو بإلحاح إلى ضرورة إحصاء ساكنة المخيمات وتسجيلهم.
وأضاف المصدر أن المنظمة طالبت مرارا بإجراء هذا الإحصاء بدوافع إنسانية محضة، بهدف الاستجابة الفعالة للاحتياجات من الغذاء والمياه والخدمات الصحية، ومعرفة مواطن الضعف عبر توفير بيانات ديمغرافية دقيقة، فضلا عن تمكين السكان من حيازة وثائق تثبت وجودهم ووضعهم القانوني.
وأشار المصدر ذاته إلى التباين الكبير في الأرقام المعلنة لسكان المخيمات، والتي تعكس المصالح السياسية للجزائر والبوليساريو، حيث تقدران العدد بما يتراوح بين 165,000 و173,600، وهو الرقم الذي تستخدمه منظمات أممية كرقم للتخطيط وليس كنتيجة لإحصاء فعلي.
وتابع المصدر أن المفوضية السامية كانت قد أعدت تقديرا عمليا حددته بـ 90,000 شخص عام 2005، بينما يطالب المغرب بحصر العدد الفعلي في 50,000، متهما الجزائر والبوليساريو بتضخيم الأرقام بشكل ممنهج لاستدرار المساعدات الإنسانية ولفت الانتباه السياسي.
وأضاف عبدالوهاب الكاين أنه على الرغم من قيام مؤسسات أوروبية بالتقاط صور عالية الدقة لتقدير أعداد السكان بهدف ضبط المساعدات وتتبع عمليات فساد وتهريب واسعة النطاق، إلا أن تدخل أطراف داعمة للبوليساريو حال دون تحقيق الشفافية والمساءلة. كما فندت المنظمة محاولة إقحام مفهوم “الشعب” على الصحراويين، مؤكدا أن مصطلح “السكان” هو الوصف الدقيق لكونه مفهوما جغرافيا يقصد به قاطنو الإقليم، دون أن يرتب حقوقا سياسية جماعية مرتبطة بمفهوم الشعب الذي يتطلب هوية وتاريخا مشتركا وهياكل مؤسسية، وهو ما كان مفقودا في حالة المجتمع الصحراوي.
وتابع رئيس أفريكا ووتش أن الوقائع والأحداث التي تلت قرار مجلس الأمن رقم 2797 تشير بشكل قاطع إلى أن المغرب لم يتعرض للعزلة، بل على العكس، يمثل القرار أهم انتصار دبلوماسي للمملكة في النزاع الممتد لخمسة عقود. واعتبر أن اعتماد القرار بتأييد 11 صوتا ودون أي اعتراض، مع دعمه الكامل للمفاوضات التي تتخذ من مقترح الحكم الذاتي المغربي أساسا لها، هو أكبر مكسب للمغرب، حيث تأسس القرار على الزخم الدولي المتزايد لصالح الموقف المغربي، بما في ذلك الاعترافات الدولية بسيادة المغرب.
وخلص المصدر إلى أن قرار مجلس الأمن الأخير كرس الدعم الدبلوماسي وعزز الاندماج الاقتصادي والمركز القانوني والسيطرة الإقليمية والسيادة الوطنية، مما ساهم في تعزيز موقف المغرب وليس في عزله، على خلاف ما جاء في تصريحات قيادة البوليساريو لوسائل الإعلام.
المصدر: العمق المغربي
