تمهيد:
يمكن القول إن هذا هاتف نقال أو” قتال”، بحيث يصح فيه الوجهان حسب ثقافة المستهلك، فقد يكون فعلا نقالا بشكل إيجابيا، ينقل المعلومة والعلم و يساهم في توعية الأمة، وقد يكون العكس أي”قتالا” إذا كان المستعمل بلا ضمير و بلا وعي..، سيأتي شرح الضرر المادي و المعنوي للمحمول”الموبايل”، لكن قبل ذلك نطرح هذا السؤال: هل تساأل العرب والمسلمين عن سخاء الغرب، و تسامحه في تقديم تكنولوجيا المعلوميات و الاتصال مجانا وعلى طبق من ذهب..؟ ونحن نعلم شح و بخل الغرب في هذا المجال، كما يقول المثل المغربي : ( ما يذوق الجار ما يشم الفار.. )، وأنتم تشاهدون حصاره لبعض الدول العربية و المسلمة في مجال علوم الذرة ، حيث تم تدمير المفاعل النووي العراقي في 1981، وكانت محاولة لضرب المفاعل النووي الباكستاني، لولا تدخل السلاح الجوي الباكستاني في الوقت المناسب، وذلك بعد علمه بالهجوم الوشيك وإلا لكان المشروع في خبر كان، وتم تدمير عدة مختبرات بنيت لهذا الغرض في سوريا، وما محاولة تدمير المفاعلات النووية للجمهورية الإيرانية عنا ببعيد، أما عن اغتيال المهندسين والعلماء في العراق وإيران فحدث ولا حرج، وعلى العموم هناك حصار تكنولوجي شديد، على العالم العربي والإسلامي بقتل هؤلاء العلماء و المهندسين، لأن الأوروبيين والأمريكان يعتبرون تقدم العرب والمسلمين، وخاصة في ميدان التكنولوجيا النووية خطا أحمر و مسألة حياة أو موت، لكن تزويد السوق العربية بٱخر صيحات الهواتف المحمولة، لا مشكلة فيه عندهم فقط قولهم كلمة السر “شبيك لبيك” أو ها هو ( iPhone 17 Pro Max ) بين يديك…
_ هل أتاك حديث الغزو ( الأيفوني ) للشعوب العربية..؟
دعكم من غزوات هولاكو للعالم العربي والاسلامي، وكذا الحملات الصليبية و حملة” نابوليون”، وحتى زحف الاستعمار الغربي على كل العالم العربي والإسلامي، إن كل هذا شيء و ما فعله الغزو”الأيفوني” شيء آخر تماماً، نعم إن الدمار الهائل الذي لحق بالعمران مع الملايين من القتلى، بسبب غزو المغول و الصليبيين و الاستعمار الأوروبي شئ كارثي، لكن ومع كل هذا الدمار الشامل و الخسائر في الأرواح و الممتلكات، إلا أن العائلات العربية و المسلمة بقيت متماسكة موحدة و صامدة، وبقيت الأخلاق و القيم حاضرة لم تمس بسوء، فالرجل بقي رجلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، و كذا المرأة بقيت أنثى و قس على ذلك الشاب والشابة، المهم أن الناس لم تكن تبيع أعراضها من أجل المال، لأن الخطر كل الخطر هو تدمير الإنسان في حد ذاته، فكل ما هدم من عمران يمكن إعادة بنائه، ومن مات سيأتي جيل جديد يولد يخلفه. لكن مع الغزو” الأيفوني” دمرت أخلاق الإنسان و قيمه، و أول ضحاياه هي قتل الغيرة في الرجال والنساء، ونشر قيم الميوعة و الدياثة والانحلال في المجتمع، أصبحت النساء يبدين كل شيء مثير من أجسادهن، قصد تكثير المعجبين وجمع المال الحرام وبذلك ضاع العرض، أصبحت لحوم العازبات و المتزوجات على السواء معروضة لمن هب ودب، كما يقول المثل المغربي : ( أو حتى اللي ما اشرى يتنزه )، لم تكن الأعراض رخيصة إلى هذا الحد و في كل الدول العربية دون استثناء، والله الشيطان يكاد يغمى عليه من شدة الفرح، و يثني خيرا على المارد ( الأيفوني ) و يعلق على الفديوهات بالإعجاب..!!، لقد انقلبت قيم المغاربة رأسا على عقب بسبب الغزو “الأيفوني”، وذلك في ظرف قياسي لا يتجاوز 30 سنة من دخول هذه الفتنة، الكل أصبح في ضنك يركض وراء المال والثراء السريع، لا يهمه من أين يأتي المال تساوى عنده الحلال و الحرام، الكل اليوم تقريبا أصبح يتحسر و يتمنى عودة الزمن الجميل، زمن الستينات و السبعينات حتى الثمانينات من القرن الماضي، أي قبل أن سيتحكم الغزو” الأيفوني” ويبدأ في تخريب المجتمع….، الآن أيها السادة تدركون حجم خطر الغزو”الأيفوني “، وأنه يهدد الدولة من الأساس إنه إذن خطر وجودي، كما يتفوق على كل الحملات الاستعمارية من حيث التدمير…، فعند مقارنة ما ألحقه الغزو” الأيفوني ” بقيم الأمة و أخلاقها، مع ما فعله هولاكو و نابايون و دونالد ترامب، تجد هؤلاء الأخيرين مجرد تلاميذ كسالَى عند شيخهم” الأيفون “…
_ ” الأيفون” جاسوسك الخاص إنه القرين الاصطناعي :
أما فيما يخص الأضرار التي كبدها “الأيفون” للقضية الفلسطينية، والمقاومة بشكل عام فحدث ولا حرج لقد تم اغتيال خيرة قادتها، وكما يقال : ( و لازال الحبل على الجرار )، لقد تمكن جهاز مخابرات الاحتلال الصهيوني ( الموساد)، من تفخيخ هاتف نقال كان يستعمله أحد المطاردين، في بدايات تسعينات القرن الماضي، إنه الشهيد المهندس يحيى عياش، واستمر اختراق أجهزة الاتصال الخاصة بقادة المقاومة، إلى يومنا هذا وما أحداث لبنان وغزة عنا بعيدة، حيث كان بطلها جهاز اتصال من نوع”البيجر”، الذي تمكن العدو بواسطته من تحديد مواقع قادة المقاومة و تصفيتهم، حيث أصبح الهاتف النقال فعلا “قتال” و أكثر فاعلية من كل المخبرين، تنتابني بين الفينة و الأخرى نوبات من الضحك، عندما أسترجع ذكريات مناضلي القرن الماضي، وذلك عندما كان هاجس مخبري السلطة يؤرقهم، كانت المجموعات المكلفة بكتابة شعارات سياسية على الجدران، أو توزيع منشورات تدعو إلى الثورة على النظام، فقد تجد المناضل منهم يلتفت يمينا و شمالا لتفادي عيون السلطة و مخبريها، اليوم أصبح يحمل في جيبه كل أجهزة السلطة، من ( شيوخ و مقدمين و استخبارات..)، وفوق هذا يحرص على تعبئة الهاتف النقال كلما نفذت بطاريته، سواء أكان هذا المناضل يدري أولا يدري فهو في اتصال مباشر، و دائم مع السلطات تحصي عليه أنفاسه و تكاد تسمع همسه ونبض قلبه بل حتى عند نقضه الوضوء حشاكم..!!
_ ملاحظة هامة :
رغم كل ما قلته عن مصائب الغزو “الأيفوني” و ضرره على قيم الأمة وأخلاقها، إلا أن شعب فلسطين وخاصة الغزاويين منهم، يشكلون الاستثناء الوحيد في العالم العربى و الإسلامي، حيث بقيت عندهم قيم الغيرة والكرامة والإيباء والرجولة، وبقيت العائلة الغزاوية متماسكة صامدة رغم جحيم المعاناة، بل تمكنوا من هزم جهاز الموساد و الذكاء الاصطناعي معا، في غزوة السابع من أكتوبر الخالدة و المجيدة…
المصدر: العمق المغربي
