سلط “تقرير تنفيذي”، يصدر حديثا في شهر دجنبر الجاري، بشكل مشترك بين المركز المغربي للحكامة والتسيير والمؤسسة الألمانية “كونراد أديناور” (مكتب المغرب)، أضواء كاشفة على تحديات مفصلية يصطدم بها “ورش الحماية الاجتماعية” في المغرب كــ”واحدٍ من أكثر الإصلاحات الاجتماعية طموحا في تاريخ المملكة”، بتوصيفه.

وسجل التقرير الموقع من طرف الباحث الاقتصادي يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير (CMGM)، أن “هذا الورش، الذي أعطى انطلاقته الرسمية الملك محمد السادس في أبريل 2021، بهدف تحويل الحماية الاجتماعية من مجرد آلية للدعم إلى استثمار استراتيجي في الرأسمال البشري، يواجه اليوم تحديات مفصلية تتعلق بالتمويل، والحكامة، والقدرة على الإدماج الفعلي للفئات الهشة”.

تتمحور الغاية الكبرى، وفق التقرير الذي توفرت لهسبريس نسخة منه، في “ضمان حق كل مواطن مغربي في الولوج العادل للصحة، والاستفادة من التعويضات العائلية، والتقاعد، والتعويض في حالة فقدان الشغل”.

“تحديات الاستدامة والعدالة”

على الرغم من “التقدم المحرز”، الذي فصّل فيه التقرير بإسهاب، يخلص كراوي الفيلالي إلى “وجود تحديات جوهرية يجب رفعها لضمان التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية”.

وتتمثل أبرز الخلاصات التي أثار التقرير الانتباه إليها، في “معضلة القطاع غير المهيكل”، خاصا بالذكر “صعوبة إدماج العاملين في هذا القطاع ضمن المنظومة الرسمية”.

كما نبه المستند ذاته، المحرّر والمنشور باللغة الفرنسية، إلى تحدي “العدالة المجالية في الصحة”، مشددا على “ضرورة ضمان ولوج عادل لعروض العلاجات العمومية، وتقليص الفوارق بين الجهات”.

ولفت إلى “مصداقية الاستهداف: التحدي المرتبط بموثوقية نظام الاستهداف الاجتماعي (السجل الاجتماعي) لضمان وصول الدعم إلى المستحقين له”، خاتما بالتأكيد على أهمية كسب رهان “الاستدامة المالية”، عبر “ضمان ديمومة التمويل لأنظمة التغطية الاجتماعية وتوازنها المالي على المدى البعيد”.

أرقام مقلقة و”الحقوق المغلقة”

رغم المجهودات المبذولة منذ 2021 لتعميم التأمين الإجباري عن المرض (AMO)، يكشف التقرير عن معطيات رقمية “تستدعي القلق”؛ إذ بحلول شتنبر 2024، “لا يزال حوالي 5 ملايين مواطن (13.55% من السكان) خارج أي نظام للتغطية الصحية.

والأخطر من ذلك ــ وفق المصدر نفسه ــ هو ظاهرة “الحقوق المغلقة”، حيث يوجد 3.5 ملايين شخص مسجلين لكنهم “محرومون من الاستفادة الفعلية من العلاج بسبب عدم انتظام الاشتراكات أو مشاكل إدارية، وهو ما يمثل 11% من إجمالي المسجلين”. وتشير المعطيات المستشهَدُ بها في التقرير إلى أن 66% من العمال غير الأجراء المسجلين يوجدون في هذه الوضعية، مما يطرح “علامات استفهام حول نجاعة إدماج المهن الحرة والمستقلين”.

على المستوى المالي، تدقّ المؤشرات ناقوس الخطر بخصوص التوازنات المالية للصناديق. واستدل المؤلف بتسجيل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) عجزا مستمرا منذ 2021، بلغ 1.28 مليار درهم في 2023.

كما أن صندوق التقاعد (CMR) يشهد “تدهورا حادا” في مؤشراته، حيث أصبح عدد المستفيدين معادِلا لعدد المساهمين، مما يهدد “استدامة المعاشات”. ويبقى القطاع غير المهيكل “الحلقة الأضعف”، حيث يشتغل 2.5 مليون شخص خارج المنظومة الرسمية (دون احتساب القطاع الفلاحي)، مما يحرمهم من أي حماية اجتماعية ويعقد مساعي الدولة لتوسيع وعاء الاشتراكات.

“فجوات الحماية”.. الشيخوخة، البطالة، والإعاقة

يتطرق التقرير إلى فئات لا تزال تعاني من “ثقوب” في شبكة الأمان الاجتماعي، بتوصيفه، عدّدها في ثلاث فئات اجتماعية/عمرية حاسمة في مسار إنجاح الحماية الاجتماعية، هي:

المسنون: 60% من الساكنة النشطة حاليا غير مشمولة بأي نظام للتقاعد، مما ينذر بأزمة شيخوخة مستقبلية بدون دخل.

ذوو الإعاقة: 65% من الأشخاص في وضعية إعاقة لا يتوفرون على تغطية صحية، رغم النصوص القانونية المؤطرة.

فاقدو الشغل: شروط الاستفادة من “التعويض عن فقدان الشغل” تظل “تعجيزية”، حيث يتم رفض نصف الملفات المقدمة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

نحو “ميثاق اجتماعي جديد”

يخلص يوسف الكراوي الفيلالي إلى أنّ “نجاح هذا الورش الملكي يتطلب تجاوز المقاربة التقنية إلى “ميثاق اجتماعي” حقيقي يعيد الثقة للمواطن”.

ولتحقيق ذلك، أوصت الوثيقة بـ”ضرورة توحيد صناديق التغطية الصحية، ومراجعة معايير السجل الاجتماعي الموحد (RSU) لإنصاف الفقراء الذين قد تقصيهم المؤشرات الحسابية الجامدة، وضمان عدالة مجالية في توزيع العرض الصحي، لكي لا يبقى “الحق في العلاج” رهين السكن في المحاور الحضرية الكبرى.

ومن أهم التوصيات الاستراتيجية المبسوطة في نهاية التقرير (الصادر بإجمالي 33 صفحة)، العمل على “حكامة ناجعة وإصلاح شامل” لضمان نجاح هذا الورش، عادّا تلك التوصيات “شروطا لازمة” لبلوغ الأهداف المسطرة “وفق المعايير الدولية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.