
نقطة تحوُّل في السودان: يجب أن نغتنم النافذة الضيقة المتاحة للسلام
بقلم د. ورقنيه جبيهو
السكرتير التنفيذي للإيغاد
هناك لحظات في حياة الأمم لا يكون فيها الانهيار احتمالاً، بل عملية جارية.
والسودان يعيش الآن مثل هذه اللحظة. دولة يبلغ عدد سكانها 48 مليون نسمة كانت في يوم من الأيام ركناً محورياً في القرن الإفريقي تتمزق أمام أعين العالم.
لم يكن سقوط الفاشر، آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في دارفور، مأساة معزولة. كان طلقة تحذيرية. جرس إنذار أخلاقي واستراتيجي. وإن لم يتغير شيء فوراً، فسيكون الأول بين سلسلة طويلة قادمة.
ما حدث في الفاشر كان متوقعاً. المجتمع المدني السوداني حذّر منه. الوكالات الإنسانية ناشدت العالم، والجهات الإقليمية دقت ناقوس الخطر. ومع ذلك، فشلت الدبلوماسية التي كانت مجزّأة ومترددة وغالباً مشتتة في التحرك. دُمّرت المدينة قبل أن تُؤخذ. ومُسحت مجتمعات قبل أن تتمكن من الفرار. أضيفت مجزرة كان يمكن منعها إلى سجل طويل من مآسي التاريخ السوداني الحديث.
ومع ذلك، وفي خضم هذا الدمار، ظهرت نافذة ضيقة ولكن حقيقية.
*فرصة دبلوماسية نادرة إن اختار العالم استغلالها*
في الأسابيع التي أعقبت سقوط الفاشر، جدّدت الولايات المتحدة والسعودية التزامهما بتأمين هدنة إنسانية. ولأول مرة منذ شهور، أبدى الطرفان إشارات أولية على استعداد للنظر فيها. هذه هي الفرصة الدبلوماسية الأكثر وعداً منذ بداية الحرب.
لكن الهدنة الإنسانية ليست انتصاراً. إنها شريان حياة نافذة هشة قد لا تبقى مفتوحة طويلاً. وإذا لم يغلّف العالم هذا الشريان باستراتيجية سياسية متماسكة، سيستمر نزيف السودان حتى وإن بدأت قوافل الإغاثة في التحرك.
وبصفتها المنظمة الإقليمية التي كان السودان أحد مؤسسيها، لا يمكن للإيغاد ولن تقف متفرجة على تفكك إحدى دولها الأعضاء. فالسودان ليس مجرد مأساة سودانية. إنه تهديد وجودي للقرن الإفريقي بأكمله وهي منطقة مثقلة أصلاً بالصراع والهشاشة الاقتصادية والاستقطاب السياسي.
وإن انهار السودان، ستجتاحنا جميعاً موجات الصدمة.
*السودان يتحول إلى مركز حرب إقليمية لا تنتهي*
إن صراع السودان ليس مجرد نزاع بين تشكيلين عسكريين. إنه تفكك دولة وزعزعة استقرار منطقة كاملة.
• طرق التجارة تحولت إلى ممرات لتهريب السلاح.
• الحدود أصبحت ملاذات آمنة للمليشيات.
• السهول الزراعية انهارت إلى مناطق مجاعة.
• اقتصاد حرب يربط الآن بين قوى تستفيد من تفكك السودان.
من البحر الأحمر إلى الساحل، يغذي انهيار السودان موجات النزوح، وتدفقات السلاح، والجريمة المنظمة، والتطرف السياسي.
يجب أن يفهم العالم:
إيقاف الحرب في السودان ليس عملاً خيرياً. إنه ضرورة للأمن الإقليمي والدولي.
*لنكن واضحين: لا حل عسكرياً لهذا الصراع*
لا يمكن لأي طرف أن ينتصر في هذه الحرب.
لا بإمكاناته الحالية، ولا بداعميه الخارجيين، ولا في ظل اقتصاد منهار ونسيج اجتماعي ممزق.
لقد أصبحت سيادة السودان ساحة لتصفية حسابات لا علاقة لها بآمال المدنيين السودانيين. ومع ذلك، يستمر العالم في ترديد وهم أن الصراع “سيخمد” أو “سيصل إلى توازن”.
هذه ليست استراتيجيات.
هذه أعذار.
والحقيقة قاسية: السودان أقرب إلى التفكك اليوم من أي وقت مضى في تاريخه.
*توافق إفريقي وطريق إلى الأمام*
لأول مرة منذ أبريل 2023، يوجد إطار دولي مشترك لإنهاء الحرب. فقد توحدت مواقف الاتحاد الإفريقي، والإيغاد، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والرباعية حول خمسة مبادئ أساسية:
1. لا حل عسكرياً.
2. وحدة السودان غير قابلة للمساومة.
3. المدنيون في قلب العملية السياسية.
4. يجب بدء الوصول الإنساني فوراً.
5. إنهاء الحرب هو مدخل كل تقدم.
والفاعلون السياسيون والمدنيون السودانيون رغم خلافاتهم يتفقون عموماً على هذه المبادئ.
لذلك، تعد الإيغاد والاتحاد الإفريقي لـ مشاورات مدنية سياسية تمهيدية في جيبوتي، مصممة لمنح القوى المدنية السودانية مساحة لصياغة موقف موحد و”سودنة” التوافق الدولي الناشئ.
هذه ليست مؤتمراً آخر بلا جدوى.
إنها خطوة تأسيسية لمسار سياسي حقيقي.
لا هدنة تصمد دون خارطة طريق سياسية.
ولا خارطة طريق سياسية تنجح دون قيادة مدنية سودانية.
ولا قيادة مدنية تظهر دون تحضير منظم.
*الهدنة الإنسانية: خطوة أولى في عملية سلام متسلسلة*
إن الدفع الأميركيالسعودي المتجدد نحو هدنة إنسانية هو بوابة للسلام لكنه ليس وجهته النهائية. وللنجاح، يجب ربطه بـ:
• وقف إطلاق نار مُراقب ومُتحقق منه
• ممرات إنسانية مضمونة
• التزام من الأطراف الخارجية بوقف دعم الوكلاء
• عملية سياسية متسلسلة يقودها المدنيون السودانيون
• جدول زمني واضح للانتقال
الوصول الإنساني بلا سياسة هو إغاثة مؤقتة.
والسياسة بلا وصول إنساني مستحيلة.
النهج المزدوج وحده يمكنه منع انهيار السودان الكامل.
*انهيار السودان تهديد وجودي للقرن الإفريقي*
السودان ليس مجرد أزمة أخرى في منطقة مضطربة. إنه دولة محورية تربط تاريخياً وجغرافياً واقتصادياً بين القرن الإفريقي وشمال إفريقيا والبحر الأحمر والساحل.
دماره سيقوّض تماسك المنطقة، ويهدم التكامل الاقتصادي، ويعيد عقوداً من التقدم إلى الوراء.
لهذا ترى الإيغاد أن حماية السودان مسألة أمن قومي ومسؤولية أخلاقية وواجب تاريخي.
لقد وقف السودان مع جيرانه في أزماتهم. واليوم، يجب على هؤلاء الجيران والعالم الوقوف معه.
*لحظة لا يجب إضاعتها*
يجب أن تكون الفاشر نقطة تحوّل، لا مرثية.
ما زال بالإمكان إنقاذ السودان.
وما زالت وحدته قابلة للحفاظ.
وما زال شعبه قادراً على استعادة الكرامة والاستقرار والسلام.
لكن ذلك ممكن فقط إن تحركت إفريقيا والعالم الآن، وبصوت واحد، وبشجاعة.
إن الهدنة الإنسانية التي بدأت تتشكل عبر الجهود الأميركيةالسعودية هي أول نافذة حقيقية منذ أشهر طويلة.
ويجب اغتنامها، وحمايتها، وتوسيعها.
والإيغاد مستعدة أخلاقياً وسياسياً ومؤسسياً للعمل مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والرباعية وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي لوقف القتال ومرافقة السودان نحو سلام شامل.
https://www.theeastafrican.co.ke/tea/opinion/guestblogs/awindowhasopenedtosavesudan5277112
المصدر: صحيفة التغيير
