أمد/ واشنطن: أفاد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 26 نوفمبر 2025، بأن الشرق الأوسط يشهد مرحلة جديدة تتصدّرها إسرائيل كلاعب مهيمن يعتمد الضربات الوقائية المباشرة عبر الحدود، في ظل غياب مسارات سياسية واضحة، وتراجع قدرة القوى التقليدية على موازنة النفوذ الإسرائيلي.

ووفق التقرير، باتت إسرائيل، التي يصفها أكاديمي إماراتي بارز بأنها “إسرائيل الإمبراطورية”، تعتمد قواعد اشتباك ترتكز على الردع المبادِر، من جنوب لبنان إلى العمقين السوري والإيراني، وصولاً إلى اليمن وقطر، في استعراض لقوة عسكرية واستخباراتية غير مسبوقة.

لبنان بين الانهيار والضغط الدولي

بعد عام على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تواصل تل أبيب تنفيذ ضربات تستهدف قادة ميدانيين ومواقع عسكرية داخل لبنان، ما يبقي الجنوب في حالة “اللاحرب واللاسلم”.
رئيس الحكومة نواف سلام أقرّ بأن المأزق الحالي مستمر: “لا إسرائيل تنسحب لأنها تريد نزع سلاح حزب الله، ولا حزب الله ينزع سلاحه وإسرائيل ما تزال داخل الأراضي اللبنانية.”

ويشير التقرير إلى أن الجيش اللبناني، المكلف نظرياً بتنفيذ مهمة نزع السلاح، يعاني نقصاً كبيراً في العتاد والرواتب والدعم السياسي، فيما تواصل الدول المانحة الضغط من دون تقديم ضمانات أو خطة واضحة لإعادة بناء الدولة.

حزب الله: قوة قائمة بدور إقليمي متراجع

رغم الضربات الإسرائيلية وتراجع نفوذه بعد سقوط نظام الأسد وقطع خطوط الإمداد الإيرانية عبر سوريا، ما يزال حزب الله يحتفظ بقدرات قتالية واسعة وقاعدة شعبية صلبة.
لكن التقرير يؤكد أن الحزب يعيش خسارة استراتيجية واضحة، خصوصاً بعد اغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله عام 2024، وتغير المعادلة السورية مع صعود الرئيس أحمد الشرع.

تل أبيب تعتمد “الضربة الأولى”

يعرض التقرير تحولاً واضحاً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، يقوم على التعامل الفوري مع أي تهديد، من دون انتظار دورة ردع متبادلة.
وينقل عن مسؤول الأمن في بلدة شتولا الحدودية قوله: “اليوم أي حركة مشبوهة سنواجهها بنيران مباشرة.”

كما تتمسّك إسرائيل بخمس نقاط عسكرية داخل الأراضي اللبنانية رغم اتفاق الانسحاب، ما تعتبره بيروت محاولة لفرض واقع ميداني دائم.

المدنيون يدفعون الثمن

يلفت التقرير إلى تزايد الكلفة الإنسانية، مشيراً إلى حادثة مقتل الأب شادي شرارة وثلاثة من أطفاله في بنت جبيل إثر ضربة إسرائيلية أصابت سيارة مدنية، ما يفاقم حالة الاحتقان ويعمّق القطيعة بين السكان المحليين وأي مسار تهدئة محتمل.

واشنطن تغيّر النهج: “الازدهار” بدلاً من “السلام”

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تخلّت واشنطن — بحسب التقرير — عن خطاب حل الدولتين، واعتمدت نهجاً اقتصادياً يقوم على إدماج إسرائيل في مشاريع إقليمية وجذب استثمارات خليجية، مع منح تل أبيب هامشاً أوسع للتحرك العسكري.

وينقل التقرير عن المبعوث الأميركي توم باراك قوله: “السلام كلمة مبالغ فيها. ما نريده هو وقف القتل وتوليد الازدهار.”

شرق أوسط جديد… باستقرار مفروض بالقوة

يخلص التقرير إلى أن المنطقة تتجه نحو صيغة “استقرار بالقوة”، تقوم على:

إسرائيل كقوة مهيمنة تستخدم الضربات الوقائية بلا سقف سياسي واضح؛

حزب الله بقدرات قائمة لكن بوزن إقليمي متراجع؛

دولة لبنانية عاجزة عن فرض قرار مركزي؛

سوريا خارجة من النفوذ الإيراني؛

إيران في موقع دفاعي؛

وواشنطن تدفع نحو هندسة اقتصاديةأمنية بديلة للمسار السياسي.

ويشير التقرير إلى أن الواقع الجديد قد يمثّل “حرباً بنسخة مختلفة” — حرباً بطيئة ومفتوحة لا تُعلن رسمياً، لكنها ترسم ملامح المرحلة المقبلة في المنطقة.

شاركها.