طرحت الطالبة المواطنة بجامعة زايد فرع دبي، سارة الرضي، مشروعاً واعداً، يحمي الشركات والمؤسسات المالية من خطر القرصنة والاختراق، عبارة عن تقنية تحمل اسم «صندوق أسود رقمي»، يمكن من خلالها الاحتفاظ بنسخة احتياطية من بيانات وأسرار المؤسسة، مع تخزين آثار «الهاكر» الذي نفذ عملية الاختراق، إلى حين تدخل خبراء تقنية المعلومات للتصدي لعملية القرصنة، وإنقاذ المؤسسة.
فيما عرض طلبة آخرون بملتقى الأدلة الجنائية لشرطة دبي مشاريع وتقنيات طوّروها في جامعات، من بينها «كود» يمكن من خلاله استخراج البيانات المسجلة في الكمبيوتر الموجود بالسيارات التي تعرضت لحادث، لكشف أسباب وملابسات الحوادث، وتحديد ما إذا كانت مفتعلة من عدمه.
وتفصيلاً، نظّمت شرطة دبي، أمس، ملتقى الأدلة الجنائية لطلبة الجامعات والكليات، الذي تضمن معرضاً ضم 25 مشروعاً ابتكارياً للطلبة، تحت شعار «نصنع اليوم قادة التحقيق الجنائي لمستقبل الغد» في نادي ضباط الشرطة.
وتضمنت المشاريع التي عرضها الطلبة مشروعاً بحثياً للطالب خليفة عبدالرحمن علي البلوشي، من جامعة المدينة في عجمان تخصص علم الاجتماع، تناول فيه تطور أنماط الجرائم الإلكترونية في دولة الإمارات خلال السنوات الـ10 الماضية، وآثارها الاجتماعية على مجتمع إمارة دبي.
واعتمد البلوشي في بحثه على أحدث التقارير والمؤشرات الدولية، من بينها تقرير IBM لعام 2025، الذي أشار إلى أن متوسط كلفة خرق البيانات مازال مرتفعاً ليصل إلى 4.4 ملايين دولار، رغم انخفاض النسبة الإجمالية للخسائر مقارنة بالعام السابق.
وأكد لـ«الإمارات اليوم» أن هذه الحوادث لا تُخلّف أضراراً مالية فقط، بل تمتد آثارها إلى الأسرة التي تتأثر بتعطّل الخدمات وتسريب البيانات، بما ينعكس اجتماعياً ونفسياً على الضحايا.
وقسّم الطالب مراحل تطور الجريمة الإلكترونية في الإمارات إلى ثلاث محطات رئيسة، الأولى تعود إلى عام 2015، عندما كشف «تقرير نورتون» عن تعرّض مليوني مستخدم لجرائم إلكترونية بخسائر بلغت خمسة مليارات درهم.
أما المرحلة الثانية فارتبطت بفترة جائحة «كوفيد19» التي شهدت ارتفاع الهجمات بنسبة 250% مع خسائر قيمتها 1.4 مليار دولار، نتيجة الانتقال الواسع للعمل والتعليم عن بُعد. وتختتم المرحلة الثالثة بين عامي 2021 و2025، حيث رصدت شرطة دبي أكثر من 25 ألف بلاغ جريمة إلكترونية خلال عام واحد عبر منصة ecrime، في مؤشر على ارتفاع الوعي المجتمعي، وقدرة المؤسسات على رصد الأنماط المستجدة.
وأشار البحث إلى أبرز الآثار الاجتماعية لهذه الجرائم، ومنها تراجع الثقة الرقمية لدى الجمهور، وازدياد الضغوط النفسية على ضحايا الابتزاز الإلكتروني، وظهور وصمة اجتماعية تجعل بعضهم متردداً في الإبلاغ، كما لفت إلى أن مسرح الجريمة انتقل من الشارع إلى الفضاء الإلكتروني، ما يفرض ضرورة تعزيز «الضبط الاجتماعي الرقمي»، وتوسيع نطاق التثقيف داخل الأسرة.
واقترح عدداً من المبادرات الداعمة لأجندة حكومة الإمارات في «عام الأسرة 2026»، أبرزها مشروع «سفراء الأمان الرقمي في الأسرة»، وتطوير أدوات توعوية مخصصة لفئة أصحاب الهمم، إلى جانب دعم الأبحاث الاجتماعية المتعلقة بالجريمة الإلكترونية في دبي، لضمان سياسات وقائية أكثر فعالية.
من جهتها، قدمت الطالبة سارة الرضي بجامعة زايد في دبي، خلال مشاركتها في ملتقى الأدلة الجنائية لطلبة الجامعات والكليات الذي نظمته شرطة دبي، مشروعاً بحثياً، ركّز على إحدى أهم الأدوات الحديثة في الأدلة الجنائية الرقمية، وهو ما يُعرف بالصندوق الأسود الرقمي (Digital Black Box)، يمكنه تتبع تحرّكات القراصنة داخل الأنظمة.
وقالت الرضي لـ«الإمارات اليوم» إن «الصندوق الأسود الرقمي» يعمل تماماً مثل الصندوق الأسود في الطائرات، إذ يسجل كل نشاط يحدث داخل النظام لحظة بلحظة، بما في ذلك من يدخل إلى النظام ومن يخرج، والملفات والتغييرات التي تمت، وخطوات «الهاكر» بالتفصيل، ومحاولات حذف الأدلة أو إخفائها.
وأكدت أن الميزة الأهم في هذا النظام تكمن في قدرته على الاحتفاظ بسجل مستقل لا يمكن لـ«الهاكر» التلاعب به أو محوه، ما يسمح لفرق التحقيق الرقمي باستعادة التسلسل الكامل للهجوم، ولو حاول المخترق طمس آثاره.
كما بيّنت الرضي، أن وجود مثل هذه الأنظمة داخل المؤسسات يُعتبر عاملاً حاسماً في رفع مستوى الجاهزية والاستجابة، مشيرةً إلى أن الهجمات الإلكترونية اليوم تتطلب فريق مراقبة وتحليل يعمل على مدار الساعة، يمتلك خطة استجابة سريعة تمكنه من تقليل الخسائر، وكشف مصدر الهجوم في الوقت المناسب.
وخَلُص مشروعها إلى أن «الصندوق الأسود الرقمي» لم يعد خياراً إضافياً، بل ضرورة في بيئات العمل الحديثة، لأنه يمثّل المصدر الأول للأدلة الرقمية عند وقوع أي اختراق، ويسهم في حماية البنية التحتية التقنية، وتحسين قدرة المؤسسات على مواجهة التهديدات المتزايدة.
إلى ذلك، قدّم الطالبان هزاع راشد الحمادي ونهيان محمد البلوشي، من كلية التقنية العليا أبوظبي، مشروعاً بحثياً لافتاً خلال مشاركتهما في ملتقى الأدلة الجنائية لطلبة الجامعات والكليات الذي نظمته شرطة دبي، ركّز على كيفية استخدام بيانات السيارات الحديثة في التحقيقات المرورية، وتمييز الحوادث الطبيعية عن الحوادث المفتعلة.
وأوضح الطالبان لـ«الإمارات اليوم» أن السيارات الحديثة أصبحت مزوّدة بأنظمة متقدمة من الحساسات والبرمجيات، إضافة إلى كمبيوتر مركزي يسجّل كل ما يحدث داخل المركبة خلال القيادة، مثل سرعة السيارة، واستخدام الفرامل، وزاوية تحريك عجلة القيادة، وحالة الحساسات، وحتى الوضع الميكانيكي قبل لحظة الاصطدام.
وبيّنا أن مشروعهما يقوم على استخراج البيانات المخزنة داخل كمبيوتر السيارة، ثم إدخالها في برنامج خاص، قاما بتطويره لتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ويحدد البرنامج ما إذا كان الحادث طبيعياً ونتيجة فقدان السيطرة، أم متعمداً بهدف الاحتيال أو الإضرار، أو ناتجاً عن خلل فني حقيقي داخل المركبة.
وأكد الطالبان أن التحليل الدقيق لهذه البيانات يكشف الكثير من التفاصيل التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، مثل ما إذا كان السائق قد ضغط على الفرامل قبل الاصطدام، أو إن كان قد قام بحركة مفاجئة للمقود، أو ما إذا كانت السيارة تعاني أعطالاً سابقة.
وفي المقابل، إذا لم يظهر النظام أي «أعطال» في المركبة، مع تسجيل سلوك قيادة غير طبيعي، فإن ذلك يشير إلى احتمالية تعمد الحادث.
وأشارا إلى أن هذا النوع من التحقيقات يعتبر «تحوّلاً مهماً في علوم الأدلة الرقمية المرتبطة بالمرور»، مؤكدين أن تحليل بيانات السيارات يسهم في كشف الحوادث المفتعلة، ومكافحة الاحتيال التأميني، وحماية السائقين الأبرياء من الاتهامات الخاطئة.
وأفادا بأن البرنامج الذي طوراه لايزال في مرحلة الاختبار، لكنه قادر بالفعل على تمييز «الحوادث غير الطبيعية» عبر الذكاء الاصطناعي، وتحليل أنماط القيادة قبل وقوع الحادث، مشيرين إلى أن المستقبل القريب سيشهد اعتماداً أكبر على التحقيقات الرقمية للمركبات في العمل المروري.
المصدر: الإمارات اليوم
