بغداد/ شبكة أخبار العراق قالت وكالة فيتش التصنيف السيادي للعراق عند درجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة، في خطوة تعكس استمرار مستوى المخاطر الائتمانية المرتفع، وتؤشر في الوقت ذاته إلى أن العراق سيظل يدفع كُلفة مرتفعة في أسواق الدين إذا قرر اللجوء إلى الاقتراض الخارجي خلال العام المقبل.تقول فيتش إن درجة B تعكس مزيجاً معقداً من نقاط القوة والضعف: فوائض نفطية مقبولة واحتياطيات نقدية داعمة من جهة، مقابل هشاشة مالية وضعف مؤسساتي وارتفاع مخاطر سياسية من جهة أخرى. وتشير الوكالة إلى أن الوضع المالي سيبقى رهينة تشكيل الحكومة الجديدة وإقرار موازنة 2026، وهو ما يجعل قدرة الدولة على التخطيط المالي “محدودة” في المدى القريب.ضغط متزايد على أسواق الديون،تثبيت التصنيف عند المستوى الحالي يعني أن العراق سيحتاج إلى دفع هامش عائد مرتفع عند طرح أي سندات سيادية جديدة. وكلما زاد الهامش المطلوب من المستثمرين، ارتفعت كلفة خدمة الدين في السنوات المقبلة.ويشير محللون ماليون إلى أن درجة B تعني أن حاملي السندات سيطلبون عائداً أعلى للتعويض عن مخاطر تشمل:
تقلب الإيرادات النفطية
غياب الموازنة الجديدة
تزايد النفقات التشغيلية
هشاشة الإطار المؤسسي
احتمالات التأخر في تنفيذ الإصلاحات المالية
بهذا المعنى، لا يشير التصنيف فقط إلى وضع الاقتصاد اليوم، بل إلى كلفة مستقبلية قد تتحملها الحكومة المقبلة إذا اضطرت إلى الاقتراض لتغطية العجز أو تمويل مشاريع كبيرة.اعتماد ماليّ على النفط وبنية مؤسسية ضعيفة،تؤكد فيتش أن أكثر من تسعين بالمئة من إيرادات الدولة تأتي من النفط، وهو ما يجعل المالية العامة حساسة لأي هبوط في الأسعار. كما تسلط الضوء على ضعف إدارة الموارد العامة، والجمود في مسار الإصلاح، وغياب التنويع الاقتصادي.وترى الوكالة أن البيئة السياسية غير المستقرة—بسبب تأخر تشكيل الحكومة وتحول الحكومة الحالية إلى تصريف أعمال تضيف طبقة إضافية من المخاطر التي تحد من قدرة العراق على خفض العجز أو تحسين مؤشراته الائتمانية.يبقى العراق في الفئة الائتمانية المنخفضة، ضمن مجموعة تضم دولا مثل: مصر باكستان نيجيريا إثيوبيا. وهو موقع يضعه بين الاقتصادات ذات المخاطر المرتفعة التي تحتاج إلى دفع عائد أعلى بكثير مقارنة بدول ذات تصنيف أعلى مثل BB أو BBB. بهذا المعنى، لا يمثل تثبيت التصنيف “استقراراً”، بل ثباتاً عند مستوى منخفض يحتاج إلى معالجة جذرية.
يرى الخبير أحمد التميمي، في حديثه لـ”بغداد اليوم”، أن قرار فيتش “يؤكد استمرار اعتماد العراق على السلع الأولية، وخاصة النفط، وهو ما يحد من قدرته على تحقيق استقرار مالي طويل الأمد”.ويضيف أن “ضعف الحوكمة وارتفاع المخاطر السياسية ما يزالان عاملين مؤثرين في نظرة وكالات التصنيف الدولية، ويقللان من جاذبية السوق العراقية للاستثمار”، مشيراً إلى أن “الاقتصاد العراقي يمتلك إمكانات كبيرة، لكنها غير مستثمرة بالشكل الذي يسمح برفع التصنيف”.كما يلفت التميمي إلى أن “التصنيف الحالي يعني أن كلفة الاقتراض ستبقى مرتفعة، وأن أي سندات عراقية جديدة ستحتاج إلى عوائد عالية لجذب المستثمرين”، مؤكداً أن “تحسين المؤشرات الائتمانية يتطلب إصلاحات مالية وإدارية عميقة، وتنويعاً حقيقياً في مصادر الدخل”.
ترى فيتش أن النظرة المستقبلية المستقرة تعني عدم وجود مؤشرات فورية على تحسن أو تراجع حاد خلال الأشهر المقبلة، لكنها تربط أي تغيير بثلاثة عوامل رئيسية:
سرعة تشكيل الحكومة الجديدة
إقرار موازنة 2026 دون تأخير كبير
قدرة الدولة على ضبط النفقات التشغيلية وتفعيل الإصلاحات
وفي المقابل، قد يتراجع التصنيف إذا:
هبطت أسعار النفط بشكل مفاجئ
ارتفع العجز المالي
لجأت الحكومة إلى تمويل قصير الأجل بدون خطة مستدامة
أما التحسن، فيرتبط بتحقيق الحكومة المقبلة إصلاحات هيكلية في الإدارة المالية، وتوسيع القاعدة غير النفطية، وتحسين الشفافية وتعزيز الاستقرار السياسي.
لماذا يعتبر تصنيف فيتش مهماً؟
تُعد Fitch Ratings واحدة من أهم مؤسسات التقييم المالي المعتمدة لدى:
البنوك الدولية
صناديق الاستثمار
المؤسسات المانحة
الأسواق المالية
ويؤثر تصنيفها على:
كلفة الاقتراض التي تتحملها الدولة
شهية المستثمرين للدخول إلى السوق
تسعير السندات الحكومية
تقدير حجم المخاطر في الاقتصاد المحلي
في المحصلة، يكشف تثبيت تصنيف العراق عند درجة B أن البلاد تقف على عتبة عام مالي شديد الحساسية، حيث تتقاطع القيود السياسية مع هشاشة الإيرادات النفطية وغياب رؤية إصلاحية واضحة. فالنظرة المستقبلية المستقرة التي منحتها فيتش لا تعني بالضرورة تحسناً قريباً، بل تشير إلى مرحلة انتظار لا يمكن للخزينة المرهقة تحملها طويلاً، خاصة مع استمرار غياب الموازنة وضعف قدرة الدولة على التخطيط المالي متوسط الأجل.
وبينما يراقب المستثمرون شكل الحكومة المقبلة لتحديد شهية المخاطرة في سوق الديون، سيحتاج العراق إلى خطوات ملموسة تتجاوز الخطاب السياسي نحو إصلاحات قادرة على طمأنة الأسواق وخفض كلفة الاقتراض. وفي حال تمكنت السلطة التنفيذية الجديدة من تثبيت الاستقرار السياسي، وضبط النفقات التشغيلية، وتفعيل مسارات التنويع الاقتصادي، فقد يضع ذلك الأساس لرفع التصنيف خلال الأعوام المقبلة.
أما استمرار الجمود الحالي، والتأخر في إقرار الموازنة، وتراجع الضبط المالي، فقد يدفع العراق إلى سيناريو أكثر كلفة، حيث ترتفع المخاطر الائتمانية وتثقل خدمة الدين العام ميزانية الدولة. وبين هذين الاحتمالين، يبقى الاقتصاد العراقي معلّقاً على قدرة الطبقة السياسية على إنتاج تسوية سريعة ومسؤولة تُمكّن البلاد من تفادي موجة عدم يقين جديدة في عام 2026.