كشفت مصادر فلسطينيّة وإسرائيليّة رفيعة النقاب عن أنّ حماس استأنفت تحصيل الضرائب والرسوم على البضائع الداخلة إلى غزة من إسرائيل بمستوياتٍ مماثلةٍ لما كانت عليه قبل الحرب، ويُقدَّر أنّها جنت عشرات الملايين من الدولارات من هذا خلال الشهر الماضي، وتُمكّن هذه الأموال الحركة من استعادة قوتها وبسط سيطرتها على القطاع بعد عامين من الحرب، وهكذا، وبعد حوالي شهر من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، عادت حماس إلى مكانتها السابقة عشية السابع من أكتوبر 2023، هذا ما جاء في تحقيقٍ استقصائيٍّ نشره موقع (هشومريم) العبريّ.

ويُعزى تعزيز الحركة، من بين أمورٍ أخرى، إلى زيادة التدخل الأمريكيّ، ممّا يُؤدي إلى فقدان إسرائيل بعض النفوذ الذي مارسته على مرّ السنين، وكما كُشف لأول مرة، بدأت السلع “ذات الاستخدام المزدوج” تدخل القطاع بضغطٍ أمريكيٍّ، وأصبحت الضرائب التي تجمعها حماس عليها عنصرًا أساسيًا في تدفقها النقديّ.
كيف أصبحت 4200 شاحنة أسبوعيًا بمثابة محرك الضرائب لحماس؟

عندما بدأ وقف إطلاق النار، تعهدت إسرائيل بنقل حوالي 4200 شاحنة أسبوعيًا إلى غزة، أيْ ما يعادل حوالي 600 شاحنة يوميًا، وتشمل البضائع المواد الغذائية والفواكه والخضروات والسجائر والوقود والديزل وغيرها. ينقسم المشترون إلى ثلاث مجموعات: المنظمات الدولية (وكالات الأمم المتحدة، ومنظمة المحفظة السامرية، إلخ)، والدول (البضائع التي تبرعت بها مباشرة هيئات حكومية، مثل ملك الأردن)، وتجار غزة من القطاع الخاص الذين يستوردون منتجات مختلفة إلى القطاع. ورغم أن منسق أنشطة الحكومة الإسرائيليّة في المناطق المحتلّة يرفض تحديد توزيع الشاحنات، إلّا أن المعلومات التي تلقاها الموقع تشير إلى زيادةٍ حادّةٍ في واردات التجار من القطاع الخاص، حيث وصلت إلى 20-30 بالمائة من المتوسط ​​اليوميّ، وهذه البضائع، التي تشمل السجائر على سبيل المثال، هي المحرك الرئيسيّ لحماس في تحصيل الضرائب.

ووفقًا للمعلومات التي تلقاها الموقع، تجمع حماس رسومًا من كلّ شاحنةٍ خاصّةٍ تدخل القطاع، حسب محتوياتها، وتُفرض ضرائب أقل على المواد الغذائية، بينما تُفرض ضرائب أعلى على السجائر، ويمكن أنْ يصل متوسط ​​رسوم الشاحنة الواحدة إلى حوالي 50,000 شيكل، ويُظهر هذا أنّ حماس قد جنت أكثر من 50 مليون شيكل أسبوعيًا بهذه الطريقة وحدها، وأكثر من 200 مليون شيكل إجمالًا منذ دخول وقف إطلاق النار حيِّز التنفيذ.
ويُوفر قطاع الوقود أيضًا لحماس مصدر دخلٍ كبيرٍ، ويُخصص الوقود للمستشفيات والمخابز وغيرها من المؤسسات الأساسية، لكن حماس تسيطر على جزءٍ من الواردات، ثم تبيعه في السوق الخاصة.

وأوضح مصدر مطلع على ما يحدث في قطاع غزة للموقع، أنّ حماس تتمكن من الحصول على بعض المساعدات الإنسانية، وخاصةً المواد الغذائية التي لم يأخذها اللاجئون الذين كانت مخصصة لهم، ثم يُباع هذا الطعام في السوق الخاصة، وتستفيد حماس مرّةً أخرى من ذلك، وأضاف المصدر أنّ الدليل على تعزيز حماس على الأرض وأهمية جباية الضرائب بالنسبة لها هو أنّ الوزارة الوحيدة التي استأنفت حماس عملها خلال الشهر الماضي هي وزارة الاقتصاد الوطنيّ، المسؤولة عن جباية الضرائب.
كيف تعمل آلية العمولات التي تفرضها حماس على تحويل الأموال؟

ولكن في اقتصادٍ يُندر فيه النقد، تُجرى معظم المعاملات الآن عبر تطبيقات التجارة المحلية، وهنا أيضًا، تحظى حماس بحصةٍ كبيرةٍ، واتضح أنّ الحركة تتقاضى عمولةً تصل إلى 40 بالمائة على التحويلات النقدية إلى قطاع غزة. وزعم الخبير الاقتصاديّ الإسرائيليّ، إيال عوفر، المتخصص في دراسة اقتصاد غزة، كيفية عمل الضرائب حتى قبل الحرب. “منذ بداية عام 2018، فرضت حماس ضريبةً تُسمى (ضريبة التضامن). كان على كلّ محامٍ في غزة تحويل 100 شيكل إلى حماس في كلّ مرّةٍ يأتي فيها شخصٌ لاستشارةٍ قانونية”. وأضاف: “كانت حماس تسيطر على 20 بالمائة من اقتصاد غزة. أما الآن، فبإمكان المنظمة الاكتفاء بـ 5 بالمائة فقط مع تحقيق أرباح”.

ووفقًا لمصادر مختلفة، تولّى مركز القيادة الأمريكيّ في كريات جات (جنوب) معظم مسؤولية تنسيق توزيع المساعدات الإنسانيّة في غزة، بينما بقي دور إسرائيل، من خلال جيش الاحتلال، محدودًا في هذا الصدد. ويتضح ذلك من تزايد عدد الشاحنات التي تدخل القطاع من جهاتٍ خاصّةٍ، وليس هذا فحسب، كيف يُقيّد الأمريكيون السياسة الإسرائيليّة تجاه السلع ذات الاستخدام المزدوج؟ تشير محادثات مع الموقع إلى أنّ الأمريكيين يُراجعون حاليًا قرارات وزارة الدفاع بشأن دخول المساعدات، ويُقيّدون استخدام إسرائيل لتعريف المساعدات على أنها “ذات استخدام مزدوج”، أيْ المنتجات التي يمكن أنْ تكون ذات استخداماتٍ عسكريّةٍ ومدنيّةٍ.

في الماضي، منعت إسرائيل دخول مثل هذه المنتجات، لكن الأمريكيين يُبدون حذرًا من استخدام إسرائيل الواسع لهذه الممارسة، ويُراقبونها بدقةٍ، ويُجبرون إسرائيل على السماح بدخول سلعٍ لم يكن مسموحًا بها سابقًا، وتُشكّل هذه السلع مصدر دخلٍ إضافيٍّ لحماس.

وماذا تقول حماس ردًا على هذه المزاعم؟
تنفي حماس هذه المزاعم، وصرّح مدير وزارة الاتصالات في حكومة غزة، إسماعيل الثوابتة، لوكالة (قدس برس) بأنّه لا علاقة للسلطات بدخول الشاحنات أوْ فرض الرسوم على البضائع، وأنّ جميع أنواع الضرائب والجمارك والرسوم قد جُمدَّت. وأضاف: “أيّ شيءٍ مختلفٍ هو مجرد تضليلٌ إعلاميٌّ تُروِّج له جهات تحاول تبرير رفع الأسعار لحماية مصالحها على حساب معاناة المدنيين”.

شاركها.