ابراهيم هباني

جاء خطاب رئيس مجلس السيادة الجنرال البرهان امام كبار ضباط القوات المسلحة في لحظة سياسية معقدة، وفي عام ثالث أثقل البلاد بالحرب والانقسام وانهيار مؤسسات الدولة.

تحدث قائد الجيش السوداني عن “معركة البقاء” وقدرة الجيش على استعادة السيطرة، لكن ما سبق الخطاب بساعات كان أكثر دلالة من مضمون الخطاب:

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن دعمه لوقف نزيف السودان بناءً على ،طلب ولي العهد السعودي الأميرمحمدبن سلمان.

البرهان يرحب ويشكر.

علي كرتي، زعيم الحركة الإسلامية، يبارك المبادرة كمن يكتشف فجأة فضيلة السلم.

*ثم تغير كل شيء بسرعة مألوفة في السياسة السودانية* .

أوضحت واشنطن، عبر مسعد بولس ، أن أي حل سياسي يتطلب إبعاد الإخوان عن المشهد.

فانقلب الترحيب إلى تحفظ، وتراجع الجميع عن المبادرة التي بدت قبل ساعات “نافذة مهمة”.

مفارقة صغيرة في ظاهرها، لكنها تكشف السؤال الأكبر:
*هل تتحرك الدولة ببوصلة وطنية… أم بميزان مصالح الماضي؟*

ولفهم حساسية هذه اللحظة، لا بد من العودة إلى ظلال التسعينيات:

* إقامة أسامة بن لادن في الخرطوم بين 1991 و1996.

محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995.

تفجيرات سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام عام 1998.

تفجير المدمرة الأميركية كول قبالة عدن عام 2000.

هي سنوات صنعت صورة أمنية وسياسية ما زال السودان يدفع ثمنها حتى اليوم.

واليوم، بعد نحو ثلاثة أعوام من الحرب، لم يعد السودانيون يبحثون عن انتصار طرف، بل عن توقف السلاح.

فالسيولة الأمنية بلغت مستوى يجعل كل مجموعة مسلحة تقدم تعريفها الخاص للوطن.

وفي هذا المشهد المضطرب، يبقى الجيش المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة إن أراد على فتح الطريق نحو تسوية توقف الانهيار.

ولأن اللحظة لا تسمح بالمجاملة، فإن استعادة القرار الوطني تتطلب خطوة واضحة:
نفض يد الإخوان تماما عن دولاب الدولة، وإعادة المؤسسات إلى وظيفتها الطبيعية بعيدا عن التنظيمات والشبكات.

كما يتطلب الأمر دعم لجنة تحقيق دولية مستقلة تطال الجميع بلا استثناء الجيش، والدعم السريع، وكل من حمل السلاح فوق رقاب السودانيين حفاظا على هيبة الدولة وحق الناس في العدالة.

أما الطريق السياسي، فقد لخصته كل المبادرات من منبر جدة إلى الرباعية الدولية في أربع نقاط لا تحتاج إلى شرح:
وقف النار، فتح ممرات إنسانية بلا عراقيل، عدالة واحدة للجميع، وسلاح واحد تحت دولة واحدة.

ولعلّ ما تبقى أن يقال هو كلمة لجنرالات الجيش:
لقد جربتم صخب السياسة، وضجيج البيانات، ومسالك كثيرة أوصلتنا إلى هذه الحافة.

جربوا ولو لمرة واحدة فقط أن تشعروا بما يشعر به شعبكم…
مرة واحدة اظنها تكفي.

تكفي لوقف هذا الجنون الإخواني.
وتكفي لإنقاذ وطن يتنفس تحت ركام نحو ثلاث سنوات من النار.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
فالمجد للسلام والتنمية، ولصون كرامة الشعب العزيز المحترم كما قال شاعرنا محمد الحسن سالم حميد.

ولا مجد للموت والتشرد.

فارضا سلاح، أرضا سلاح، أرضا سلاح.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.