أفرغ الدبلوماسي الكويتي السيد سليمان الفصام خلاصة تجاربه الدبلوماسية التي امتدت على نحو 40 عاماً في كتاب صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات الكويتية تحت عنوان «40 عاماً… رحلة مع قافلة الدبلوماسية». ويعتبر الفصام أن العمل الدبلوماسي مهم ومفيد، لكنه شاق ويحتاج إلى الجد والمثابرة وتحليل عميق وفهم لمعني الحياة الدبلوماسية. وبقدر ما فيها من منافع وفوائد فإنها لا تخلو من المعاناة والمصاعب وأهمها مسألة تعليم الأولاد خلال التنقل من دولة إلى ثانية والترحال من بلد إلى آخر، وكذلك الغربة والابتعاد عن الوطن فترة زمنية طويلة قد تكون سبباً في انقطاع الصلات الوثيقة بين الدبلوماسي وأصدقائه في الكويت. ويشير، في كتابه، إلى مفهوم غير صحيح لدى البعض عن الدبلوماسية حيث يسود اعتقاد بأنها نوع من الجاسوسية، وهي في حقيقة الأمر عمل مميز لتقوية العلاقات وتبادل المنافع وبناء الجسور بين الكويت والدول، وهذا هو المفهوم الصحيح للدبلوماسية. وحرص السفير الفصام على إيراد أمثلة لكيفية بناء العلاقات وحلها وإدارة الأزمات وإعادة تطبيع العلاقات، مسلطاً الضوء على دور الكويت في الوساطة بين دولة وأخرى وكونها طرفاً فاعلاً ضمن عمل سياسي جماعي، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثالثة.

إلى واشنطن والمحطة الثانية

بعد وصولي إلى الكويت قادماً من جدة ذهبت إلى الوزارة لترتيب أمور السفر إلى واشنطن، وكنت في ذلك الوقت أستعد للزواج، وكنت خاطباً لأم طلال (رحمها الله)، وفعلاً بعد الانتهاء من مراسم الزواج يوم 3 يوليو 1967م غادرت الكويت إلى واشنطن مروراً بلندن لقضاء شهر العسل، ثم التوجه إلى واشنطن، ووصلنا أنا وزوجتي المرحومة إلى واشنطن يوم 13 يوليو 1967م، وكان في استقبالنا في المطار الرجل الثاني في السفارة السيد داود العتيقي وحرمه السيدة أديبة مدوه (رحمهما الله رحمة واسعة).

لقد كانت هذه أول زيارة لي إلى الولايات المتحدة الأميركية، وجدت العاصمة واشنطن مدينة جميلة، فيها البيت الأبيض مقر العمل والسكن للرئيس الأميركي وفيها الكونغرس ومؤسسات الدولة المختلفة ومن ضمنها وزارة الخارجية الأميركية، وكانت واشنطن تبدو كحديقة كبيرة جميلة مقسمة إلى أربعة أقسام: الشمال الغربي، والجنوب الغربي، والشمال الشرقي، والجنوب الشرقي، وتُعَدُّ جهة الشمال الغربي الأكبر، وفيها أرقى المناطق السكنية، ويحدها من الغرب نهر البوتوميك.

وتتميز العاصمة واشنطن بأنها بين ولايتين، ولاية ميريلاند تحيطها من جهات الشمال والشرق والجنوب، وولاية فرجينيا عبر النهر من الجهة الغربية، وفيها مؤسسات تعليمية عريقة مثل جامعة جورج تاون، وجامعة جورج واشنطن، وجامعة كاثوليك والجامعة الأميركية، وجامعة جونز هوبكينز للدراسات العليا، وفيها الكثير من المعاهد والمؤسسات البحثية المشهورة.

وأغلب الذين يعملون في واشنطن العاصمة يسكنون في مناطق قريبة من العاصمة داخل حدود ولايتي ميريلاند أو فرجينيا، حيث تتوافر فيها أحياء سكنية مناسبة للمعيشة وتُعَدُّ نظيفة وراقية ويسودها الأمن والأمان في ذلك الوقت، ليس كما هو الحال في الوقت الراهن للأسف، حيث تعم الفوضى والجرائم. وفعلاً هذا ما قمت به مع زوجتي المرحومة أم طلال حيث قررنا أن نسكن في حي راقٍ وآمن ونظيف، واخترنا منطقة مونتجمري في ولاية ميريلاند شمال غرب العاصمة واشنطن.

وتمتاز الولايات المتحدة الأميركية بسهولة التنقل بين الولايات والمناطق، فالطرق السريعة تربط جميع أنحاء الولايات المتحدة، والتنقل اليومي بين فيرجينيا وميريلاند إلى العاصمة يجعل المسافات الطويلة أقرب وأسهل خاصة للعاملين في العاصمة واشنطن، وعموماً التنقل في الولايات المتحدة الأميركية سهل وممتع، سواء أكان بالسيارة أو بالقطارات أو بالطائرات إلى جميع أنحاء الدولة من شرق الولايات المتحدة حتى أقصى الغرب الأميركي عند المحيط الهادئ.

الاستفادة من برنامج تدريبي للدبلوماسيين أنشأته الجامعة مع وزارة الخارجية الأميركية كانت كبيرة ومفيدة

سبع سنوات في واشنطن

كانت واشنطن المحطة الثانية في رحلتي، وقد شكَّلَتْ مرحلة مهمة في حياتي الدبلوماسية، فيها تعلمتُ ومنها انطلقت، وقضيت فيها سبع سنوات.

كان السفير في واشنطن السيد طلعت يعقوب الغصين، وكان الرجل الثاني في السفارة السيد داود محمد العتيقي (رحمهما الله) والملحق الثقافي السيد عبداللطيف أحمد الرويشد وحرمه السيدة نزهة الغربلي (رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته)، إضافة إلى مجموعة من الموظفين المحليين.

وفي اليوم التالي من وصولي، ذهبت إلى السفارة وقابلت السفير طلعت الغصين وتسلمت العمل مباشرة.

فرصة الدراسة بالجامعة والتدريب العملي

وعندما بدأت العمل بالسفارة كنت متوقعاً أن يكون هناك عمل سياسي ودبلوماسي مكثف، وخاصة أننا العرب كنا نعيش فترة ما بعد النكسة، وهي هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967م مع إسرائيل، وكنت مستعداً ذهنياً لأن يكون العمل طويلاً وشاقاً، وخاصة أننا في أقوى بلد سياسي وصاحب القرار العالمي، لكنني مع الأسف لم أجد حماساً أو عملًا يوازي حجم التوقعات.

وبما أن شخصيتي تعودت منذ الصغر على الاستقلالية والعمل بدون كلل أو كسل وقد زرع في ّ والدي حب العلم والدراسة، فقد كانت لدي فكرة واهتمام شديد بأن أغتنم الفرصة، بكوني في أعظم بلد في العالم، لأكمل دراستي الجامعية في إحدى الجامعات العريقة في واشنطن.

مقالة الدكتور أحمد زكي تجاه فايز صايغ كان لها صدى كبير

وبالفعل بحثت بمساعدة الملحق الثقافي السيد عبداللطيف الرويشد عن أنسب جامعة لي، حيث أستطيع أن أوفق بين العمل بالسفارة والدراسة بالصرح الجامعي. فالتحقت بالجامعة الأميركية في واشنطن، وتخرجت فيها بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

لقد كان اختياري للجامعة الأميركية في واشنطن موفقاً، فقد كان أساتذة الجامعة متعاونين وقادرين على إيصال المعلومة للطالب بشكل ممتاز، وكانت إدارة الجامعة لا تتوانى في توفير كل ما تستطيع من العلم والمعرفة والتطوير في إيصال العلم للطلبة. 

وعلى سبيل المثال، وفي أثناء دراستي في الجامعة الأميركية في واشنطن، تم الاتفاق بين إدارة الجامعة ووزارة الخارجية الأميركية على إنشاء برنامج تدريب عملي يقام في مقر وزارة الخارجية الأميركية لمدة 6 شهور.

هذا البرنامج يُعَدُّ تدريباً عملياً وأكثر واقعية للدبلوماسيين الجدد الذين سيلتحقون بالسلك الدبلوماسي والعمل في وزارة الخارجية الأميريكية. 

وفعلاً دخلت وأكملت هذا البرنامج بنجاح ولله الحمد، وقد كانت الفائدة عظيمة جداً لي، فقد كان معظم المحاضرين في هذا البرنامج من السفراء الأميركيين المخضرمين الذين لم يبخلوا بتقديم النصح والإرشاد والخبرات والمعرفة التي فعلاً أنارت الطريق وساعدتنا في عملنا الدبلوماسي. 

لقد تطرق هذا البرنامج العملي في الخارجية الأميركية إلى نواحٍ عديدة بالعمل الدبلوماسي والفكر السياسي الحر، ونقل لنا السفراء المحاضرون أفكاراً وآراء متعددة. 

ولكن كان هناك تركيز واضح لتعليمنا كيفية كتابة التقارير السياسية والدبلوماسية، والحث الشديد على الاهتمام بالقراءة والمتابعة للأحداث السياسية، لأن الحياة الدبلوماسية عالم متجدد لا يقف عند حد، ولا ينتهي بانتهاء الدوام الرسمي بالمكتب. 

وقام البرنامج والقائمون عليه بتحضير الدبلوماسي الجديد لدخول معترك الحياة الدبلوماسية بعد الانتقال من مقاعد الدراسة إلى ساحة العمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية، حيث يختلف العمل عن الدراسة اختلافاً كبيراً.

زيارات الأمير الشيخ صباح السالم إلى أميركا كانت ناجحة

التعرف على النظام السياسي

إنه من المهم لأي دبلوماسي يعمل في أي بلد في العالم أن يتعلم ويعرف النظام السياسي للبلد الموفد إليه، فهناك أنظمة سياسية مختلفة، هناك النظام الشيوعي، والاشتراكي، وهناك النظام الملكي أو الجمهوري، وعلى الدبلوماسي أن يتعلم بسرعة طريقة عمل الحكومة التنفيذية والبرلمان المشرع ليكون قادراً على العمل بدقة في البلد الموفد إليه.

وفي هذا الصدد، يجدر بنا أن نشير إلى أن الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية تختلف عن مثيلاتها في بعض الدول، فالولايات المتحدة الأميركية بلد مترامي الأطراف مكون من 50 ولاية، نظامه السياسي الفدرالي أسس على قواعد متينة، وقد كُتِبَ الدستور الأميركي بعناية فائقة، واشتمل على جميع مناحي الحياة، وأكد حرية المواطن واستقلالية القضاء وكرامة الفرد والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات.

النظام السياسي الأميركي، وإن كان معقداً ومختلفاً عن باقي الدول الديموقراطية، ترك فيه المشرعون المؤسسون الباب مفتوحاً للتعديلات الدستورية المستقبلية، وفعلًا أدخلت عليه عدة تعديلات بحسب ما اقتضته ظروف المرحلة.

والنظام السياسي الأميركي هو نظام رئاسي جمهوري، فرئيس الجمهورية هو من يتولى السلطات التنفيذية، فلا يوجد رئيس للوزراء في أميركا، والرئيس ونائب الرئيس ينتخبان من الشعب مباشرة كل أربع سنوات.

أما الكونغرس فيتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وأما مجلس الشيوخ فلكل ولاية ممثلان، ليكونوا 100 عضو، ويرأس مجلس الشيوخ نائب رئيس الجمهورية المنتخب. 

أما مجلس النواب فينتخب أعضاؤه بنسبة وتناسب مع عدد سكان الولاية وحجمها وثقلها الاقتصادي. 

وينتخب رئيس مجلس النواب من المجلس نفسه، وعادة ما يكون هناك زعيم للأغلبية وآخر للأقلية، وكذلك في مجلس الشيوخ.

إن تجربتي في واشنطن فعلاً كانت تجربة غنية مفيدة وتعلمت منها الكثير، ففي واشنطن إمكانية التواصل مع وزارة الخارجية الأميركية منظمة ومرتبة، وباستطاعة أي دبلوماسي نشط من السفارات تكوين علاقات طيبة مع منتسبي وزارة الخارجية الأميركية أو حتى باقي المؤسسات الحكومية الرسمية أو الخاصة في العاصمة واشنطن.

كانت لقاءاتي مع العديد من الدبلوماسيين أعضاء السفارات الأخرى فيها أكثر من الفائدة والمعرفة وتبادل الآراء بما يخص العمل. وكذلك في أثناء دراستي بالجامعة وفي ذلك الجو الأكاديمي الممتاز والراقي تكونت معارف وصداقات بيني وبين نخبة من الدبلوماسيين والأساتذة والطلبة المتخصصين بالعمل السياسي.

هذه الصداقات وهذه العلاقات كانت أساساً قوياً لخلق أجواء المعرفة، مما يساهم في تطوير العمل السياسي والدبلوماسي. 

وأرى أنه على كل دبلوماسي شاب جاد في عمله أن يتحلّى بهذه الصفات ويطورها، لما فيها من مصلحة للعمل الدبلوماسي المنتج.

دور فايز صايغ

وكما ذكرت سابقاً للأسف الشديد لم يكن العمل في السفارة خلال فترة السفير طلعت الغصين، وخاصة بعد حرب 1967م مباشرة، نشطاً، ولم يكن بالأهمية التي تبين دور الكويت السياسي، وأحس معظم الدبلوماسيين أن السفارة في واشنطن لم تعد سفارة نشطة، لقلة ما يجري بها من عمل يومي دبلوماسي ونشاط سياسي آنذاك.

والجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الكويتية ارتأت تعيين الدكتور فايز صايغ فلسطيني الجنسية في السفارة في واشنطن ليكون متحدثاً ومدافعاً عن القضية الفلسطينية، وكان أستاذاً في الجامعة الأميركية في بيروت وهو متزوج من أميركية. حيث تقرر منحه راتباً مرتفعاً وسيارة، وتأمين سكن له، وكانت مهمته فقط أن يلقي محاضرات ويأخذ على المحاضرات بدلاً يومياً إضافياً (بالإضافة إلى ما يتقاضاه من راتب).

وبعدما استمرالدكتور فايز صايغ في عمله صادف أن منصب مدير مكتب الجامعة العربية في واشنطن كان خالياً، وأصبحت إدارة مكتب الجامعة بحاجة لموظف إداري، فأقتُرح أن يتولي الدكتور فايز صايغ إدارة مكتب الجامعة العربية، ولكنه رفض التخلي عن منصبه في سفارة دولة الكويت، وطلب أن يجمع بين المنصبين. وفي الواقع كانت طبيعة عمله في سفارة دولة الكويت هي طبيعة عمله نفسها في مكتب الجامعة العربية، وهي الدفاع عن القضية الفلسطينية وإلقاء المحاضرات، وتمت الموافقة له على أن يجمع بين المنصبين.

وأتذكر أن الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي (رحمه الله) كتب مقالًا بهذا الشأن، ومما قاله العبارة الآتية:

«خلت سماء الأمة العربية إلا من صقر واحد أبت الكويت أن تعطي منه إلا نصفا»، وهذه العبارة صار لها ردة فعل، وأثارت تساؤلات كثيرة في ذلك الوقت: لماذا لا يذهب الدكتور فايز صايغ ويدير مكتب الجامعة العربية في واشنطن، ويترك منصبه بالسفارة الكويتية؟ خصوصاً وأن طبيعة العمل هي نفسها تقريباً؟

إن تأثير السفير في البعثة الدبلوماسية التي يرأسها يجب أن يكون تأثيراً إيجابياً، فالدبلوماسي قادر على أن يعمل بحدود صلاحياته دون تجاوز مرؤوسيه، ولكن رئيس البعثة الدبلوماسية له تأثير مهم في عمل المنظومة الدبلوماسية في السفارة أو القنصلية، فعلى أيام السفير طلعت الغصين لم يكن العمل الدبلوماسي والسياسي بالسفارة يوازي أهمية وحجم دولة الكويت، في الواقع لم يكن هناك عمل سياسي أو دبلوماسي يذكر، حيث كان السفير في ذلك الوقت يعطي جل اهتمامه للحياة والعمل الاجتماعي وحضور الحفلات العامة والرسمية في واشنطن دون تكريس أو دعم لاسم الكويت في المحافل الرسمية في واشنطن العاصمة. فهنا يجب على الدبلوماسي أن يكون له دور فاعل، في هذه المناسبات الدبلوماسية الرسمية والخاصة، في رفع اسم وسمعة الكويت ووضع صورتها الناصعة في مكانها الصحيح وإيصالها إلى المجتمعات والثقافات المختلفة وخاصة في البلد الموفد إليه.

وفي أثناء فترة عملي في السفارة تم نقل المرحوم السيد داود العتيقي إلى سفارتنا في دمشق، وتم نقل السيد الوزير المفوض نوري عبدالسلام شعيب (رحمه الله) من الكويت إلى واشنطن بدلاً منه، وبعد فترة زمنية في واشنطن تم تعيينه سفيراً لدولة الكويت لدى الجزائر.

إقامة الصداقات والعلاقات الطيبة هي أساس قوي لنجاح العمل الدبلوماسي  

تغيير السفراء الكويتيين

وكذلك تم نقل المرحوم السيد عبداللطيف أحمد الرويشد، الذي كان ملحقاً ثقافياً أيام السفير طلعت الغصين، إلى الكويت، وحلَّ محله السيد يوسف عبدالعزيز البدر واستلم المنصب. وكذلك تم تعيين السيد سعود الغربللي نائباً للملحق الثقافي.

وبعد ثلاث سنوات، في سنة 1970م، تقرر نقل السفير طلعت الغصين إلى دولة أخرى، وتم تعيين الشيخ سالم صباح السالم الصباح (رحمه الله) سفيراً لدولة الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية منقولاً من لندن المملكة المتحدة، وجاء الشيخ سالم ومعه مجموعة من الشباب، منهم المستشار فؤاد المشري، والسيد عبدالله سعود العبدالرزاق، والسيد مصطفى الصانع، وهم من زملاء سفارة لندن، والسيد علي حسن، وهو مصري الجنسية، سكرتير الشيخ سالم الصباح، وحسين ذياب موظف الرمز.

وهنا بدأنا الإحساس بتغير نمط وديناميكية العمل بالسفارة مع استلام الشيخ سالم الصباح منصبه، حيث بدأ بداية قوية ونشطة وكان الفرق واضحاً عما كانت عليه السفارة قبل 3 ثلاث سنوات مضت.

وقد أقمت للسفير الشيخ سالم الصباح حفل عشاء، حيث رتَّبنا ودعونا له نخبة من السياسيين والدبلوماسيين في قاعة خاصة مخصصة للاحتفالات. وتمت دعوة سعادة سفير المملكة العربية السعودية الشيخ إبراهيم السويل وأعضاء السفارة السعودية، كما وجهنا الدعوات إلى كل من مدير الإدارة العربية في وزارة الخارجية السفير ريتشارد ميرفي، الذي تعرفت عليه في السعودية، حيث كان يعمل مسؤولاً سياسياً في السفارة الأميركية في جدة، قبل نقله إلى مصر ومن ثمَّ واشنطن، ودعونا بعض أساتذة ودكاترة الجامعة والمسؤولين والصحافيين العاملين في نيويورك تايمز وواشنطن بوست وكريستين ساينس مونيتور، ومن وزارة الخارجية الأميركية، حيث لكل بلد قسم «ديسك» (Desk) يرأسه سفير، فدعوت من قسم الكويت السفير جوزيف تُواينِم، ومن قسم المملكة العربية السعودية السفير رامبيل مايَر، ومن قسم سلطنة عمان السفير ستيف بكْ، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك قسم للإمارات ولقطر وللبحرين (قبل استقلالها)، وتمت دعوة بعض رجال الأعمال من القطاع الخاص. وقد أبدى الشيخ سالم الصباح ارتياحه من الحديث مع هذه المجموعة، ومن هذا الحضور الجيد، ولله الحمد.

زيارات الأمير إلى واشنطن

وأصبحت السفارة الكويتية في واشنطن في حلة جديدة، ودب فيها النشاط، فقد كان الشيخ سالم الصباح (رحمه الله) رجلا نشيطاً، كثير المقابلات، وكنا جميعا كدبلوماسيين نشارك معه في جميع دعواته في السفارة. فمع وجود مجموعة من الدماء الجديدة ممن لهم تجربة ناجحة في سفارة الكويت في لندن أصبح العمل كخلية النحل، حيث بدا واضحاً دور قيادة السفارة، وأخذ التفاهم بين أعضاء السفارة والتعاون في ازدياد، وأصبح لسفارة دولة الكويت دور فاعل على الساحة السياسية في واشنطن، مما رفع اسم الكويت عالياً في الوسط الدبلوماسي. 

ومن قرارات الشيخ سالم الصباح في تطوير عمل الدبلوماسيين وأعضاء السفارة كان الاستغناء عن عمل ومهمة الدكتور فايز صايغ في السفارة الكويتية حيث لم يعد لوجوده نفع يذكر.

وفي أثناء عملي في واشنطن قام سمو أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم الصباح (رحمه الله) بزيارتين للولايات المتحدة الأميركية، الزيارة الأولى كانت في ديسمبر 1969م، وكانت في أواخر أيام حكم الرئيس جونسون، وهذه الزيارة كانت زيارة خاصة للمراجعة والاستشفاء، وسكن سمو الأمير في بيت السفير، وأقام لسموه السفير السابق طلعت الغصين دعوة عشاء في منزله، حضرها الرئيس جونسون، الذي كان في ذاك الوقت يودع منصبه بعد أن تم انتخاب الرئيس ريتشارد نيكسون بدلا عنه، وكان من المقرر تنصيبه كعادة كل رؤساء الولايات المتحدة في 20 يناير. 

وقد حضرنا حفل العشاء مع جميع أعضاء السفارة. واجتمع صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح (طيب الله ثراه) مع الرئيس جونسون.

وبعدها قام صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح (طيب الله ثراه)، بزيارة رسمية في عهد الرئيس نيكسون، وكان السفير في ذلك الوقت هو الشيخ سالم صباح السالم الصباح (رحمه الله)، وفي هذه الزيارة الرسمية أقام صاحب السمو في بلير هاوس قصر الضيافة للبيت الأبيض مع الوفد الرسمي المرافق معه، حيث رافقه وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الصباح (رحمه الله)، وبعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة الكويتية. وكانت زيارة ناجحة بحث فيها جميع الموضوعات التي تهم البلدين وتطورات الأوضاع على الساحة الدولية في ذلك الوقت. واجتمع سمو الأمير (رحمه الله) مع الرئيس نيكسون والمسؤولين في الإدارة الأميركية، وكانت فعلاً زيارة ناجحة تمت تغطيتها إعلامياً وكُتب عنها بالصحف المحلية. وقد أصدر المترجم في البيت الأبيض السيد نوفل، وهو المترجم الرسمي للرؤوساء الأميركيين كتاباً أشار فيه إلى المحادثات بين صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح والرئيس نيكسون، وقد حضر هذا اللقاء بعض أعضاء الوفد الكويتي الرسمي في الزيارة وبعض المسؤولين في الحكومة الأميركية.

 

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.