أكد نقابات ممثلة بمجلس المستشارين، أن إصلاح المنظومة التربوية يتطلب رؤية وطنية متكاملة، وإرادة سياسية قوية، وحوارا اجتماعيا مسؤولا يشرك كل الفاعلين، مشددة على ضرورة ضمان احترام ساعات العمل المنصوص عليها في النظام الأساسي للقطاع كجزء من حقوق نساء ورجال التعليم.
وشددت على معالجة الأعطاب البنيوية والتنظيمية كالخصاص في الموارد البشرية والبنيات التحتية والفوارق بين الوسطين الحضري والقروي، وضمان العدالة التربوية والاستقرار المهني، مع حماية مجانية التعليم من تغول القطاع الخاص.
في هذا الإطار، أكد المستشار ميلود معصيد عن الاتحاد المغربي للشغل، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التربية الوطنية بلجنة التعليم والشؤون الاجتماعية، الاثنين بمجلس المستشارين، أن قطاع التعليم يمر بمرحلة دقيقة وغير عادية، وأن الإصلاح الناجع لا يمكن تحقيقه دون اعتماد مقاربة تشاركية،
مشيرا إلى أن الاتفاقات الموقعة بين الحكومة والنقابات كانت تاريخية وشملت زيادات مهمة في الأجور، لكنها كشفت عن اختلالات تقنية ومؤسساتية تستدعي تدخلًا عاجلاً لمعالجتها، مؤكدًا أهمية وجود برنامج عمل واضح للجنة المركزية لمواكبة تنزيل النظام الأساسي الذي أُبرم في سياق استثنائي.
وشدد معصيد على أن إصلاح المنظومة التعليمية يجب أن يرتكز على رؤية وطنية متواصلة بغض النظر عن تبدل الوزراء، مع التركيز على البعد النفسي والصحي للتلاميذ.
ودعا إلى إحداث جهاز أو وكالة وطنية لمتابعة الحالات النفسية لكل تلميذ منذ سنوات التعليم الأولي. كما دعا إلى إحياء النوادي التربوية لدعم الاندماج الاجتماعي والأنشطة الثقافية، وإشراك المجتمع المدني والأحزاب والنقابات في تقديم الدعم للفئات الهشة، لضمان تطوير التعلمات بشكل شامل ومستدام.
وركز معصيد كذلك على تعزيز الثقة بين الإدارة والنقابات وحماية الحرية النقابية، مع إعادة الاعتبار للإدارة التربوية لتتمكن من التركيز على المهام البيداغوجية الأساسية.
كما طالب بتحسين وضعية العاملين في التعليم غير النظامي وتنظيم تقييم وطني للجمعيات المتعاقدة مع الوزارة، مؤكدًا في ختام مداخلته على أهمية الرياضة المدرسية في ترسيخ ثقافة تربوية سليمة لدى التلاميذ والجمهور، خصوصًا في ظل الاستعدادات المغربية للاستحقاقات الرياضية الكبرى.
من جته، أكد المستشار خالد السطي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أن التعليم يمثل أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية، مشيراً إلى أن القطاع يعاني من أعطاب بنيوية وتنظيمية عابرة للحكومات.
ولفت إلى أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يتحول إلى قانون، وأن القانون الإطار 20152030 هو المرجع الإلزامي للإصلاح لكنه يواجه صعوبات في التطبيق، خاصة مع الفوارق الواضحة بين الوسط الحضري والقروي وبين الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية، ما يعكس افتقار المنظومة إلى حكامة موحدة وإجراءات استعجالية لضمان العدالة التربوية.
وتوقف السطي عند الوضع الاجتماعي والمهني لنساء ورجال التعليم، مؤكدا أن رغم المجهود المالي الذي بذل في الحوار الاجتماعي، ما زال الاحتقان مستمرا بسبب ملفات عالقة مثل ملف الدكاترة، تأخر نتائج بعض المراكز الجهوية، عدم تنفيذ الأحكام القضائية، وضعية التعليم الأولي، تعثر النظام الأساسي للمبرزين، ملف الترقية بالشهادات، وإنصاف الممونين والمستشارين في التوجيه والتخطيط. وأضاف أن هذه الملفات تغذي حالة من عدم الرضا وتتطلب حلولاً واضحة ومسؤولة.
كما تناول السطي وضعية مدارس الريادة والإشكالات البيداغوجية المرتبطة بها، بما في ذلك نقص المقررات، التجهيزات الرقمية، المختبرات والملاعب، وتأخر الوسائل البيداغوجية، إضافة إلى ضعف إشراك القطاع الخاص، وتكثيف المناهج على التلاميذ.
كما أبرز المشاكل البنيوية في الموارد البشرية والإدارة المدرسية، مثل الخصاص في الأطر، هشاشة وضعية أعوان الحراسة والنظافة، الضغط المهني على الأساتذة، نقص النقل المدرسي والداخليات، وتدهور البنيات التحتية.
أما المستشارة البرلمانية فاطمة أزكاغ فقد اعتبر أن الخلل في قطاع التعليم يبدأ من منهجية العمل نفسها، قبل الدخول في التفاصيل التقنية، موضحة أن الحكومة لا تزال تعتمد مقاربة تستبعد النقابات التعليمية من النقاش الحقيقي حول الإصلاح الشامل للمنظومة، رغم الحاجة الملحة لقراءة عميقة وتحولات جوهرية.
وأكدت أن إصلاح التعليم لا يمكن أن يتحقق بمجرد التركيز على الأرقام والتوازنات المالية، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة بناء المدرسة العمومية على أسس متينة، مع تنفيذ الاتفاقات الموقعة بروح جبر الضرر والإنصاف دون تأويل يفرغها من مضمونها.
كما انتقدت أزكاغ ما وصفته بـ”التصريحات غير المحسوبة” التي تربك نساء ورجال التعليم وتضعف الثقة في الالتزامات الحكومية، مؤكدة أن أي تراجع عن تقليص ساعات العمل غير مقبول ويزيد من الاحتقان داخل القطاع.
وفي المقابل، أشادت بالدور الحيوي للإدارة التربوية، التي تثبت يومياً تفانيها في ضمان السير العادي للمؤسسات رغم تعثر ملفاتها المطلبية، ودعت إلى تثمين جهودها ومنحها المكانة التي تستحقها في الإصلاح التربوي.
وفي ما يتعلق بمشروع قانون 59.21 الخاص بالتعليم المدرسي، أكدت المستشارة أن الحكومة أقدمت على “تهريب” المشروع دون نقاش مجتمعي أو إشراك الشركاء النقابيين، وهو ما يمس جوهر مجانية التعليم من خلال فتح المجال للقطاع الخاص حتى في العالم القروي.
وأشارت إلى أن هذا التوجه يعكس غياب تصور شامل لإنقاذ المدرسة العمومية في ظل التحولات العالمية السريعة، مطالبة بإعادة هيكلة المنظومة التربوية بشكل نسقي، مع الاستثمار في نساء ورجال التعليم وتحسين أوضاعهم، وتثمين مجهوداتهم، ومأسسة الحوار الاجتماعي، مع التأكيد على أن الميزانية يجب أن تعكس هذه الرؤية الإصلاحية والإنسانية.
المصدر: العمق المغربي
