أشرف عبدالعزيز

أشرف عبدالعزيز

شهد ملف حرب السودان منعطفًا دراماتيكيًا إثر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي كشف فيها عن تقرير مفصّل قدّمه له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول الأوضاع. هذا التقرير، بحسب ترامب، حمل تفاصيل جديدة جعلت تحقيق السلام في السودان أولوية أمريكية عليا. لم يكن رد الفعل السوداني مباغتًا؛ إذ سارع رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان بمباركة لقاء (ترامب بن سلمان)، موجّهًا شكرًا جزيلًا على الجهود الرامية لإحلال السلام.
يُشير تحليل المشهد إلى أن مباركة البرهان لم تأتِ من فراغ، بل سبقتها اتصالات، بحسب مراقبين، تلقى فيها تطمينات سعودية بدعم الجيش والوقوف إلى جانبه. وعليه، سارع البرهان ولأول مرة منذ اندلاع القتال إلى تأييد مسار فرض هدنة إنسانية ووقف إطلاق نار شامل. هذا الموقف يتناقض مع رد فعل قوات الدعم السريع التي أبدت تلكؤًا واضحًا، حيث جاء بيانها مؤيدًا للخطوة لكنه لم يخلُ من تحفظات عميقة، تعكس تخوّفها من المفاوضات القادمة وإحساسها بالغموض الذي يكتنفها، خصوصًا وأنها ترى أن أي معادلة سلام لا تحفظ حقوق منسوبيها ودماءهم هي غير مقبولة.
على الجبهة الداخلية، وتحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش حيث تنشط الحركة الإسلامية، ظهر انقسام حاد. هناك تيار يبارك تأييد البرهان، وتيار آخر متحفظ ومتخوف من المسار الذي تقوده الولايات المتحدة، خشية أن يكون تكرارًا لمسار الرباعية الذي يهدف إلى إبعاد الإخوان المسلمين من المشهد السياسي القادم. ما زاد من منسوب الخوف هو تصريحات مسعد بولس، مبعوث ترامب للقرن الأفريقي، التي أكدت بوضوح عدم مشاركة “الإخوان” في الترتيبات السياسية المستقبلية.
في المقابل، تجد السعودية نفسها أمام تحدٍّ. فرغم دعمها للجيش من وراء الستار، إلا أن عودتها للتوسط بين الطرفين بقوة لتحقيق هدف توقيع اتفاق سلام في جدة، يستوجب عليها العودة إلى مربع الحياد مرة أخرى.
ما هو جديد أيضًا في الأفق هو حديث بولس عن التنسيق مع قطر وتركيا. وهي دول معروفة بمواقفها المساندة للجيش، مما يثير مخاوف الدعم السريع والموالين لها. ومع ذلك، تشير تجارب سابقة مثل التنسيق في حرب غزة، إلى أن الهدف الأساسي من إشراك هذه الدول قد يكون تحييدها من الدعم المباشر لأحد طرفي الحرب، وتأكيدًا على ذلك، شدد بولس على أنه “لا مجال لاستمرار التدخل الإيراني في الشأن السوداني”.
لقد دخل ملف حرب السودان مرحلة “الذروة” بوضوح، والمؤشرات ترجّح أن البرهان قد بادر بالتأييد، لكنه يواجه تحديات المواجهة الداخلية مع التيارات المتحفظة. أما الدعم السريع فبات متخوفاً من الخسارة في “ديربي جدة” القادم.
في خضم هذه التحولات، يبدو أن الحركة الإسلامية السودانية ستكون الخاسر الأكبر؛ لأن القوى الفاعلة (الرباعية، ترامب، محمد بن سلمان) لا ترغب في منحها أي دور سياسي مستقبلي. وفي المقابل، تبرز القوى المدنية كأكبر رابح، شريطة أن تنجح في توحيد صفوفها استعدادًا لعودة الحكم المدني في المرحلة المقبلة. لقد أصبح اللعب الآن على المكشوف، حيث لا يمكن لروسيا والصين استخدام الفيتو لتعطيل ملف السودان في مجلس الأمن بعد أن أيّد رئيس المجلس السيادي بنفسه خطوة السلام.

نقلاً عن صحيفة الجريدة

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.