
البرهان يقرأ بيان الحركة الإسلامية،،،
حسب الرسول العوض إبراهيم
بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على اجتماع الحركة الإسلامية في ود مدني (جامعة الجزيرة) لبحث التحديات التي تواجهها عقب تصريحات ترامب وهي التصريحات التي تظاهر قادة الحركة بالترحيب بها ودعمها كما جاء في بيان علي كرتي، تبين أنها “خطوة تكتيكية” وتبين سريعاً أن هذا الترحيب لم يكن سوى محاولة مكشوفة لرفع الحرج عن أنفسهم وتخفيف الضغط عن البرهان ومجلس السيادة وإظهارهم بمظهر غير المسيطرين على قراراته.
لكن الاجتماع نفسه الذي تم في جامعة الجزيرة فضح هذه اللعبة سريعاً إذ وضعت فيه الخطة الحقيقية للتعامل مع خطوات المجتمع الدولي خصوصاً الولايات المتحدة التي حددت أُسس إنهاء الحرب المدمرة في السودان ومن أهمها إبعاد الحركة الإسلامية تماماً عن المشهد في المرحلة الانتقالية.
وهذه الخطوة ليست بجديدة، فقد أجمعت عليها القوى السياسية قبل اندلاع الحرب، وعقب سقوط نظامهم مباشرة، لأنها ببساطة منطقية وعادلة، فالثورة التي قامت لإسقاط نظامهم لا يمكن أن تنتهي بعودتهم شركاء في الانتقال منها، وفترة ما قبل الحرب كانت مهيأة لعملية سياسية تقود إلى انتخابات نزيهة يتساوى فيها الجميع ولذلك كان لابد من تفكيك الارتباط بين الجماعة والدولة التي أحكموا قبضتهم على مفاصلها لثلاثة عقود.
أما اجتماع جامعة الجزيرة فقد خرج بموقف واضح لا لبس فيه ويقول: رفض خطة السلام القادمة بالكامل وهو ما كشف أن خطاب الترحيب السابق لم يكن سوى انحناءة للعاصفة ومراوغة للمملكة العربية السعودية تحديداً، لأن الأمير محمد بن سلمان ظهر بصفته الراعي الأبرز للمبادرة الدولية.
ومن أخطر ما صدر عن الاجتماع هو الهجوم العنيف والمباشر على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان واتهامه بالخيانة والمراوغة وإرسال رسائل تهديد صريحة له في حال قبوله بأي مبادرة تستبعد الحركة أو لا تلبي مصالحها. كما تم اعتماد نهج المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي والرباعية والبرهان نفسه والدفع نحو تعطيل أي مسار للسلام عبر كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.
وبعد ساعات معدودة فقط خرج البرهان بخطاب بدا كأنه إعادة تلاوة حرفية لمخرجات اجتماع الحركة الإسلامية موجهاً رسائل عدائية في كل الاتجاهات ورافضاً بصراحة أي خطة سلام لا ترضي الجماعة. وامتلأ خطابه بكل الأدبيات القديمة من السب والشتم للقوى المدنية مع إنكار مثير للسخرية لأي وجود للإخوان داخل الجيش وكأنه يحاول تغطية الشمس بغربال.
إن ما حدث يفرض على الشعب السوداني وقواه المدنية وعلى المجتمعين الإقليمي والدولي الاستعداد لمرحلة صعبة من مواجهة مشروع الحركة الإسلامية، التي لم تكتف بإشعال الحرب المدمرة، بل تواصل رفض كل مبادرة صادقة لوقفها وتعمل بكل قوة لإفشال أي جهد يهدف لإنقاذ السودان وشعبه من المأساة التي يعيشها.
إن مواجهة هذا المشروع أصبحت واجباً وطنياً وأخلاقياً، لأن بقاء الحرب واستمرار الخراب هو الخيار الوحيد الذي تدافع عنه الحركة الإسلامية أما السلام فليس في قاموسها إلا إذا أعادها إلى السلطة من النافذة بعد أن أخرجها الشعب من الباب.
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
المصدر: صحيفة التغيير
