يهتم كتاب جديد برؤى قيادتي دولتي المغرب والإمارات، صدر بعنوان “الحكمة: صاحب الجلالة الملك محمد السادس وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: رؤى ونماذج في مجال التنمية والبناء المؤسساتي”.
واحتضن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ندوة فكرية خُصّصت لقراءة كتاب “الحكمة” الذي “تناول بالنقد والتحليل التجربتين النموذجيتين لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في بناء الدولة الحديثة وتطوير نموذج قيادي يرتكز إلى القيم، ويستثمر في الإنسان، ويستشرف المستقبل على قاعدة من الرصانة والحكمة”.
وجاءت كلمات المتدخلين لتفتح نوافذ متعددة على جوهر الحكمة في الحكم والتنمية، فكل كلمة حملت زاوية نظر مختلفة، لكنها جميعا التقت عند حقيقة واحدة هي أن علاقة المغرب والإمارات ليست مجرّد تعاون ثنائي، بل شراكة استراتيجية تتغذى من حكمة القائدين ومن وحدة الرؤية في مواجهة تحديات عالم لا ينفك يتغيّر.
بدأت الندوة بـ”كلمة للسفير أحمد التازي، سفير المملكة المغربية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي كلمة امتدت في عمقها وبلاغتها لتشكل مدخلا إنسانيا وسياسيا لقراءة الكتاب؛ فقد شدّد التازي على أن الكتاب لا يستعرض حكمة القائدين فقط، بل يوثّق لحظة تاريخية تُعيد تعريف معنى القيادة المسؤولة في عالم مضطرب”، موردا أن “صدور الكتاب في هذا التوقيت ليس صدفة، وإنما هو استجابة لمشهد عالمي يبحث عن نماذج ناجحة تستطيع الجمع بين الاستقرار والتنمية والرؤية الأخلاقية في إدارة الشأن العام”.
كما استعرض السفير “العلاقة التاريخية المتينة بين البلدين، مذكرا بأن جذورها تمتد إلى عهد الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان رحمهما الله، وأن ما يجمع المغرب والإمارات ليس سياسة مصالح ظرفية، بل تاريخ مشترك وشبكة من القيم التي تجعل البلدين أقرب إلى نموذج «الأمة الصغرى» المتفاهمة”.
وانتقل السفير التازي إلى تحليل رؤية الكتاب للعلاقة المغربيةالإماراتية باعتبارها “نموذجا عربيا فريدا”، وربط “بين ما ورد في الكتاب وبين التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب هذه السنوات، من تثبيت السيادة الوطنية على أقاليمه الجنوبية إلى الإصلاحات المؤسساتية والتنموية الواسعة”، معتبرا أن “الإمارات كانت وما تزال داعما ثابتا لهذه المسارات الاستراتيجية”.
كما أشاد التازي بـ”القوة التحليلية للكتاب، وبقدرته على تقديم قراءة موضوعية للتجربتين المغربية والإماراتية”، مستحضرا “اللحظة الرمزية التي تزامنت مع انعقاد الندوة في ذكرى الاستقلال والمسيرة الخضراء”، وهي مناسبة رأى فيها السفير “دلالة على عمق الروابط التاريخية التي يعيد كتاب «الحكمة» صياغتها معرفيا وسياسيا”، قبل أن يختم السفير كلمته بالتأكيد على أن “الكتاب يُجسّد قيمة الحكمة التي تحتاجها المنطقة، وأنه يعيد البوصلة إلى مكانها الصحيح في زمن تختلط فيه الأصوات وتتراجع فيه النماذج الملهمة، لتأتي التجربتان المغربية والإماراتية كبرهان حي على أن الحكمة ليست شعارا بل بناء متواصل وصبر تاريخي”.
أما محمد بن هويدن، عن جامعة الإمارات، فانطلق “من مقاربة أكاديمية صارمة تربط بين التجربتين المغربية والإماراتية من منظور علم السياسة والعلاقات الدولية”، مؤكدا أن “الكتاب ينجح في تقديم نموذجين قياديين يجمعان بين صرامة الرؤية ومرونة القرار، وهو ما يجعل التجربتين قابلتين للتحليل الأكاديمي في الوقت ذاته للاستلهام في تجارب أخرى، تبحث عن طريقها نحو الاستقرار والتنمية”، موضحا أن “المغرب والإمارات تمكنا عبر العقود من بناء دولة مؤسسات تستند إلى رؤية واضحة لمكانة الإنسان في المشروع الوطني، فالتنمية في كلا البلدين ليست مجرد خطط تقنية، بل هي فلسفة في الحكم ترى أن الإنسان هو محرك التغيير وصانع مستقبل الأمة.”

وقد تحدث بن هويدن عن “الانسجام العميق الذي يجمع البلدين على المستوى الجيوسياسي”، موضحا أن “هذا الانسجام ليس وليد لحظة سياسية، بل هو نتيجة تقارب في فهم طبيعة التحديات التي تواجه العالم العربي، من التطرف إلى التحولات الاقتصادية العالمية، ثم نوّه بأن الكتاب “يُبرز بوضوح كيف تعاملت الإمارات والمغرب مع هذه التحديات وفق مقاربة حكيمة تُوازن بين الانفتاح والحفاظ على الثوابت، وبين استيعاب العصر وحماية الهوية”، علما أن “الشراكة بين البلدين انتقلت من التعاون التقليدي إلى بناء محور استراتيجي متين يُشكّل اليوم أحد أكثر الأمثلة استقرارا وفعالية في المنطقة”، وهو ما يفسره الكتاب “تفسيرا علميا لسرّ نجاحه عبر أدوات تحليلية تستحق التوقف.”
وفي قراءته لـ”جوهر الحكمة في التجربة المغربية والإماراتية”، ركز بن هويدن على “البعد الاستشرافي في سياسات البلدين، موضحا أن القائدين يتعاملان مع الزمن السياسي بمنطق طويل المدى، حيث تُبنى الرؤى على عقود لا على مواسم انتخابية أو حسابات ظرفية. وهذا ما يجعل البلدين قادرين على إحداث إصلاحات عميقة يمتد أثرها إلى الأجيال القادمة”، وختم مداخلته بالتأكيد على أن “الكتاب يضع بين أيدي الباحثين وثيقة فكرية مهمة ستظل مرجعا لفهم أحد أنجح النماذج العربية في الحكم والتنمية خلال العقود الأخيرة.”
وجاءت كلمة محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، معالجة “فكرة مركّبة لمفهوم الحكمة كما قدّمه الكتاب، حيث اختار أن يقدّم قراءة تتجاوز الوصف إلى تحليل فلسفيسياسي يعيد وضع الحكمة ضمن نسق معرفي يربط بين القيادة والإدارة والتنمية”. وبدأ بشاري بالتأكيد على أن “الحكمة ليست مجرد صفة شخصية تُنسب للقادة، بل هي رؤية في تدبير الدولة ترتكز على ثلاثة مستويات: مستوى قيمي يجعل من الأخلاق أساسا للقيادة، ومستوى معرفي يقوم على قراءة الواقع وفهم التحولات العميقة في المجتمع والعالم، ومستوى عملي يشكّل الامتحان الحقيقي للحكمة من خلال القدرة على تحويل الرؤية إلى سياسات عمومية ملموسة.”
وبيّن بشاري أن تجربة القائدين، كما قدّمها الكتاب، “تبرز الحكمة بوصفها نقيضا لثلاثة نماذج خاطئة: نقيضا للشعبوية التي تبني شرعيتها على الانفعال لا على الرؤية، ونقيضا للسلطوية التقليدية التي تحكُم بمنطق القوة لا بمنطق الشرعية التنموية، ونقيضا للفوضى الثورية التي تهدم أكثر مما تبني. ورأى أن المغرب والإمارات قدّما نموذجا جديدا يجمع بين الصرامة في تدبير الدولة وبين الانفتاح الفكري والقدرة على تطوير النموذج بما يستجيب للواقع المتغير. وأشار إلى أن الحكمة التي يتحدث عنها الكتاب ليست مجرد “خطاب”، بل هي مشروع دولة يقوم على هندسة مؤسساتية واضحة، وعلى علاقة متوازنة بين الدولة والمجتمع، وعلى وعي بدور الدولة في حماية الاستقرار وتطوير الاقتصاد وبناء الإنسان.”

وتوقّف بشاري عند البعد المؤسسي للحكمة في التجربتين، موضحا أن ما يجمع بين المغرب والإمارات “ليس فقط ضمير القائدين، بل «الهندسة المؤسسية» التي جعلت من الاستقرار شرطا للتنمية، ومن التنمية رافعة للاستقرار. فالتجربتان تتفقان في محورية التعليم، وفي الاستثمار طويل المدى في الإنسان، وفي بناء اقتصاد متنوع لا يعتمد على مورد واحد، وفي تطوير مؤسسات قادرة على التفاعل مع العولمة من دون أن تفقد هويتها”، مضيفا أن “الكتاب يبرز أن الحكمة ليست في القرارات وحدها، بل في القدرة على مأسسة القرار وتحويله إلى نموذج مستدام عبر الزمن.”
كما تناول بشاري “البعد الاستشرافي في التجربتين، معتبرا أنهما تقدّمان نموذجا عربيا فريدا في التخطيط للمستقبل. فالقائدان لا ينظران إلى الدولة بمنطق اللحظة، بل بمنطق التاريخ، حيث تُبنى الاستراتيجيات على مدى عقود. وهذا ما يفسّر قدرة البلدين على مواجهة الأزمات العالمية بثبات ومرونة، وعلى الحفاظ على استقرارهما في محيط إقليمي مضطرب”، خاتما بالتأكيد على أن كتاب “الحكمة” “لا يقدّم فقط قراءة للتجربتين، بل يقدّم إطارا معرفيا لإعادة التفكير في الدولة العربية الحديثة.”
مريم الكلباني، عن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، عالجت بدورها مضمون الكتاب “من زاوية العلاقات المغربيةالإماراتية، مركّزة على البعد الحضاريالتنموي في هذه العلاقة”؛ فـ”الحكمة التي يتحدث عنها الكتاب هي حكمة دولة ترى أن التنمية مشروع إنساني قبل أن يكون مشروعا اقتصاديا، وأن العلاقة بين المغرب والإمارات في جوهرها علاقة قيمية قبل أن تكون علاقة مصالح”، مع استعراضها “الجذور التاريخية للعلاقة بين البلدين منذ السبعينيات، وكيف انتقلت هذه العلاقة من المستوى الرمزي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تشمل اليوم السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والدفاع.”
وأبرزت الكلباني أن الكتاب يُظهر بوضوح كيف يتقاطع البلدان في رؤيتهما لدور الدولة في العصر الحديث، حيث تُصبح “حاضنة للابتكار، وموجهة للمجتمع نحو مسارات مستدامة، لا مجرد جهاز إداري بيروقراطي”، وتحدثت عن “الدينامية الثقافية التي تربط البلدين، والتي تتجلى في المبادرات المشتركة لنشر قيم الاعتدال والتسامح، وفي التعاون بين الجامعات ومراكز البحوث، وفي الحراك الثقافي الذي يجعل من أبوظبي والرباط فضاءين متواصلين في خدمة المعرفة.”

وختمت الكلباني كلمتها بالتأكيد على أن كتاب “الحكمة” يقدّم “نموذجا عربيا مضيئا يعيد الثقة في قدرة المنطقة على إنتاج نماذج قيادية ناجحة، وأن العلاقة المغربيةالإماراتية، كما يبرزها الكتاب، ليست مجرد تعاون، بل هي رؤية مشتركة لمستقبل عربي ممكن يقوم على الحكمة والاستقرار والبناء المؤسسي.”
المصدر: هسبريس
