أمد/ لماذا لم يعد تصدير الأزمة وإشعال الحروب في المنطقة عائقاً أمام انتفاضة الديكتاتورية الدينية وإسقاطها؟
يقع النظام الحاكم في إيران في واحدة من أكثر المراحل تعقيداً وأزمةً وغير مسبوقة في تاريخه المخزي.. خامنئي الولي الفقيه للرجعية الذي اعتمد لسنوات طويلة على سياسة “الهروب إلى الأمام” وتأجيج الحروب بالوكالة والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، محاولاً التستر على الأزمات الهيكلية والعميقة الداخلية وبناء درع أمني وعمق استراتيجي زائف لنظامه البالي يواجه الآن حقيقة مريرة لا مفر منها.
إن استراتيجية إنشاء “خنادق أمنية” خارج الحدود الإيرانية والتي تم تمويلها بتكاليف باهظة ونجومية من جيوب وسفرة الشعب الإيراني المحروم والمنهوب قد فقدت فعاليتها تماماً وتلاشت أمام التطورات المتسارعة وغير المتوقعة في المنطقة وإرادة المجتمع الدولي ما كان يُعدّ يوماً “عمقاً استراتيجياً” وأداة لاستعراض القوة الزائفة للنظام تحول اليوم إلى كعب أخيل القاتل وعامل لتصعيد الانزواء الدولي والاختناق الاقتصادي ليشدّ حبل المشنقة على عنق هذه الخلافة المتهاوية.
الاقتصاد المنهار ثمن المغامرات العسكرية
في الوقت الذي تعيش فيه الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر المطلق، وكسر التضخم الجامح والارتفاع الجنوني للأسعار ظهور الشرائح المختلفة من المجتمع خاصة العمال والكادحين تواصل آلة الحرب والإرهاب التابعة لنظام ابتلاع الثروات الوطنية وممتلكات الشعب بلا هوادة، ولقد أدرك الشعب الإيراني الآن جيداً أن الفقر والشقاء والبؤس الحالي ليس ناتجاً عن نقص في الموارد الطبيعية أو الثروات الوطنية بل هو نتيجة مباشرة وفورية لسياسات النهب الممنهج وإعطاء الأولوية لتمويل الجماعات الإرهابية الوكيلة على حساب الاحتياجات الأساسية والحيوية للمواطنين.
إن الشعارات القوية للشعب في الشوارع التي تستهدف سياسات النظام الإقليمية وتدخلاته الإجرامية تدل على الفشل الكامل والذريع لآلة الدعاية والتضليل الحكومية، كذلك لم يعد المجتمع الإيراني الواعي ينخدع بخلق الأعداء الزائفين والأوهام الخارجية، ويدرك بحق أن جذر كل المصائب والمشاكل يكمن في “بيت الولاية” وسياسات إشعال الحروب لشخص خامنئي، وأن استمرار هذا الوضع المتأزم أوصل إمكانات الغضب والكراهية الاجتماعية إلى نقطة الغليان والانفجار التي لن يتمكن أي قوة قمعية من السيطرة على سيلها المدمر.
انهيار جدران الانزواء ونهاية سياسة المهادنة
في مجال الدبلوماسية والسياسة الدولية أيضاً انتهى العصر الذهبي للمهاودة وتجاهل جرائم النظام الذي سمح للفاشية الدينية لسنوات بإطالة عمرها المخزي عبر الابتزاز وأخذ الرهائن وتصدير الإرهاب، والبدأ في تغيير اتجاه أساسي؛ لقد أدرك المجتمع الدولي والحكومات الغربية الآن أكثر من أي وقت مضى الحقيقة التي لا يمكن إنكارها لدور طهران المدمر بوصفها “رأس الأفعى” للإرهاب والبؤرة الرئيسية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.
إن الانزواء الدبلوماسي غير المسبوق، وتطبيق العقوبات الاقتصادية المشلّة، وإدراج الأذرع العسكرية والأمنية للنظام خاصة الحرس الثوري في القوائم الإرهابية لمختلف الدول تضيّق حلقة الحصار لحظة بعد لحظة، ولقد أدرك خامنئي الذي كان يتوهم أنه يستطيع المساومة من خلال اللعب بورقة الجماعات الوكيلة، أن جميع أوراق لعبه في المنطقة قد احترقت، ولم يعد لديه أي أداة للمساومة أو شراء الوقت لبقائه في مواجهة الأزمات الداخلية.
الساحة الرئيسية للمعركة والذعر من الإسقاط
كانت جميع المحاولات البائسة للنظام لتصدير الأزمة إلى خارج الحدود تتم بهدف استراتيجي واحد: إبعاد شبح الإطاحة به والانتفاضة عن شوارع طهران ومدن إيران؛ لكن الانتفاضات المتتالية والقوية في السنوات الأخيرة من انتفاضة يناير 2018 ونوفمبر 2019 إلى الانتفاضة الوطنية لعام 2022 أثبتت بوضوح أن البؤرة الرئيسية للتهديد والخطر الوجودي للدكتاتورية ليست في الحدود البعيدة بل في قلب المدن الإيرانية وفي الإرادة الفولاذية والثابتة للنساء والشباب ووحدات المقاومة الذين لا يريدون شيئاً سوى الحرية وإسقاط كامل هذا النظام.
إن الأنشطة الواسعة الجريئة والمتنامية لوحدات المقاومة التي سلبت النوم من عيون القوات القمعية تشير إلى أن جدار الكبت تعرض لتصدعات عميقة.. النظام الذي يجد نفسه محاصراً بأزمات داخلية مستعصية وضغوط خارجية ساحقة في آن واحد أصيب بنوع من الشلل الاستراتيجي إذ لا يمتلك القدرة على الدخول في حرب مباشرة ولا القدرة على التراجع وشرب كأس السمّ؛ ذلك لأن أي خطوة إلى الوراء في مواجهة مجتمع يشبه مخزن بارود جاهزاً للانفجار ستكون بمثابة انهيار جليدي هائل يطيح بكيان نظام ولاية الفقيه بأكمله إلى قاع الدمار.
أفق مشرق مع البديل الديمقراطي
في مثل هذه الظروف الحساسة التي يقع فيها النظام في مأزق كامل وفي أضيق مسارات تاريخه، ويشتعل المجتمع بلهيب التغيير الجذري.. فإن وجود بديل موثوق ديمقراطي ومنظم يلعب دوراً حيوياً وحاسماً لا غنى عنه في توجيه التطورات نحو النصر النهائي وإرساء الديمقراطية على عكس الدعاية المسمومة للنظام وبقايا الشاهنشاهية التي تحاول بث اليأس عبر الإيحاء بعدم وجود بديل فإن المقاومة الإيرانية بخلفيتها اللامعة من نصف قرن من النضال الدؤوب والتضحية اللامتناهية قد فتحت أفقاً مشرقاً أمام الأمة الإيرانية المعذبة.
الاستنتاج واضح وقاطع: لقد وصلت الدكتاتورية الدينية والاستبداد الديني إلى نهاية الطريق ولن تتمكن أي مناورة سياسية أو خداع أو مغامرة عسكرية من إنقاذها من مصيرها المحتوم وهو الإسقاط.. اليوم تتجه أنظار شعب إيران وأحرار العالم إلى المقاومة المنظمة بقيادة السيدة مريم رجوي التي تحمل بصفتها البديل الديمقراطي والوطني المؤسساتي الوحيد راية العبور من هذه الدكتاتورية القروسطية نحو إيران حرة، مزدهرة، ديمقراطية وعلمانية.
