أمد/ جوهانسبرغ: انطلقت فعاليات قمة العشرين في جنوب إفريقيا السبت، وسط مقاطعة أميركية للقمة المنعقدة في جوهانسبرغ، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها القارة الإفريقية قمة لمجموعة العشرين.
وقال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في كلمته بافتتاح القمة إن بلاده سعت للحفاظ على نزاهة ومكانة مجموعة العشرين.
وأكد أن جنوب إفريقيا سعت لضمان أن تجد أولويات التنمية في الجنوب العالمي وإفريقيا “تعبيراً واضحاً وثابتاً في أجندة مجموعة العشرين”، وشدد على أنه لا يجب أن تكون مصداقية المجموعة “موضع شك”.
ودعا رامافوزا إلى تجاوز الانقسامات في الاقتصاد، وتعزيز التعاون والتفاهم بين دول العالم، معتبراً أن هذا هو شرط تحقيق التنمية.
وقال: “يجب العمل معاً من أجل تعظيم التنمية الاقتصادية والحد من مخاطر تغير المناخ”.
واعتبر أن تصاعد الصراعات الجيوسياسية “يعرض مستقبلنا المشترك للخطر”، وطالب بالاستثمار في الدول النامية من أجل تحقيق هدف التنمية المستدامة لعام 2030.
وقال إنه ينبغي العمل من أجل إنهاء الصراعات المسلحة حول العالم، والعمل على وضع حد للفقر والبطالة لاسيما في دول الجنوب العالمي.
أميركا تحذر من إصدار بيان مشترك
حذّرت الولايات المتحدة رسمياً جنوب إفريقيا من الدفع نحو إصدار بيان مشترك خلال قمة مجموعة العشرين، والتي تقاطعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها “بلومبيرغ”.
ووصفت “بلومبيرغ” هذا التوتر الدبلوماسي بأنه “محرج بشكل خاص”، نظراً لأنها المرة الأولى التي تستضيف فيها القارة الإفريقية قمة لمجموعة العشرين، كما أن الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا من المفترض أن يسلم الرئاسة الدورية للمجموعة لنظيره الأميركي في نهاية هذا العام.
وبلغ التوتر بين ترامب ورامافوزا ذروته خلال اجتماع في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن، مايو الماضي، حين اضطر رامافوزا لتحمُّل “توبيخ علني” أمام الكاميرات. وزاد ترامب من حدة الخلاف بإعلان عدم حضوره القمة، وأتبع ذلك بمقاطعة كاملة للحدث.
وتعارض الولايات المتحدة بشكل علني رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين، وكذلك أجندتها الأساسية القائمة على التضامن والمساواة والاستدامة، وهي جزء من مسعى رامافوزا لإرساء نظام عالمي أكثر شمولاً، ويضاف إلى ذلك اتهامات ترامب لجنوب إفريقيا بارتكاب ما وصفها بـ”إبادة ضد البيض في جنوب إفريقيا” ومصادرة الأراضي، وفق “بلومبيرغ”.
اتهامات “اضطهاد البيض”
فقد بدأت الأزمة علناً عندما اتهم ترامب حكومة جنوب أفريقيا بـ”اتباع سياسات عنصرية ضد البيض” و”اضطهاد الأقلية الأفريكانية”، في تصريحات اعتمدت روايات غير دقيقة وسرعان ما رُفضت من الأمم المتحدة وعدد من الحكومات الغربية.
وذهب ترامب أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن حضور بلاده القمة يعد بمثابة “إضفاء للشرعية على نظام يمارس التمييز”، ما دفعه إلى إصدار أمر رئاسي بمقاطعة القمة تماماً، بما في ذلك منع أي مسؤول أميركي رفيع من المشاركة.
ورغم أن الولايات المتحدة لم تقدّم أدلة رسمية تُثبت هذه المزاعم، فإن القرار السياسي شكّل ذروة خلاف طويل بين واشنطن وبريتوريا حول ملفات المناخ، والديون، وقضايا الحكم العالمي.
صدام مع أجندة جوهانسبرغ
وبوصفها الدولة المضيفة، وضعت جنوب أفريقيا جدول أعمال ركّز على أربعة محاور رئيسية، هي: مضاعفة التمويل الموجه لدعم الدول الفقيرة في مواجهة الكوارث المناخية، وخفض أعباء الديون على الاقتصادات النامية، وتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، فضلا عن ضمان استفادة الدول الأفريقية من ثرواتها من المعادن الحيوية.
لكن هذه الأولويات اصطدمت مباشرة بالمواقف الأميركية الجديدة. فقد وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أجندة القمة بأنها “منشغلة بقضايا التنوع والمناخ أكثر من مصالح دافعي الضرائب الأميركيين”، معلناً في فبراير الماضي مقاطعة اجتماعات وزراء الخارجية قبل القمة.
وترى واشنطن أن التركيز المفرط على المناخ “ينحرف” بالمجموعة عن دورها الاقتصادي، فيما تتحدث دول الجنوب العالمي عن “لحظة تاريخية” لتحقيق تكافؤ اقتصادي، الأمر الذي زاد التباعد بين الجانبين.
تداعيات الغياب الأميركي
في حين مثل غياب الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم وأحد مؤسسي المجموعة ضربة كبيرة لمسار القمة للأسباب التالية:
1 إضعاف الإجماع الدولي:
حيث إن القمة تعمل على مبدأ الإجماع الكامل، وغياب واشنطن يسهم في تعقيد الوصول إلى إعلان ختامي موحد. وتقول مصادر دبلوماسية إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على جنوب أفريقيا لتجنب إصدار بيان رسمي في غيابها، ما أثار رد فعل غاضب من الرئيس سيريل رامافوزا الذي أكد: “لن نُبتز… وسنصدر إعلاناً بمن حضر”.
2 إعادة توجيه دور المجموعة:
كما أن ما يجعل القمة أكثر حساسية أنها تأتي قبل أسابيع من تسلّم الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للمجموعة. ويخشى مراقبون أن تعمل إدارة ترامب على “نسف” الزخم المتعلق بالمناخ والتنمية، خصوصاً بعد إعلان أن قمة العام المقبل ستُعقد في منتجع دورال المملوك لترامب في فلوريدا.
3 فراغ قيادي تستفيد منه قوى أخرى
وأفسح غياب واشنطن المجال أمام كل من الاتحاد الأوروبي لتبني موقف أكثر جرأة بشأن المناخ، والصين لإعادة تقديم نفسها بوصفها “حليف الجنوب العالمي”، والهند والبرازيل للدفع نحو إصلاحات مالية تخدم الاقتصادات النامية. وبحسب دبلوماسيين، فإن “الولايات المتحدة تركت مقعدها فارغاً، والقوى الأخرى تسعى لملئه بسرعة”.
هل يؤثر الغياب على نتائج القمة؟
لكن رغم التشاؤم الأولي، نجح المفاوضون في صياغة مسودة إعلان دون مشاركة أميركية، وهو أمر وصفته واشنطن بأنه “تصرف مخجل”. وتشير التقارير إلى أن نص الإعلان احتوى على إشارات واضحة إلى الطاقة المتجددة والمناخ، رغم اعتراضات واشنطن.
ويرى خبراء أن غياب الولايات المتحدة “لن يمنع تقدم النقاشات”، لكنه سيجعل أية قرارات ضعيفة التنفيذ نظراً لثقل الاقتصاد الأميركي في تمويل التحول الأخضر وإعادة هيكلة الديون.
وفي النهاية فإن مقاطعة ترامب لقمة العشرين ليست خطوة معزولة، بل تعكس تحوّلاً عميقاً في السياسة الخارجية الأميركية، ورغبة في إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في النظام الدولي. ورغم أن القمة مستمرة، إلا أن مقعداً واحداً ظل شاغرا… وكان الأكثر تأثيراً.
