
لم تكن الانتخابات البرلمانية المصرية مجرّد استحقاق سياسي، بل تحوّلت إلى مواجهة صريحة بين جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني. دوائر أُلغيت ونتائج أُعيدت ومرشحون أُبعدوا، ليس بسبب طعون أو إجراءات قانونية، بل نتيجة صدام مباشر بين جهازين يتنازعان النفوذ داخل الدولة. منذ اللحظة الأولى بدا المشهد أقرب إلى صراع أجنحة منه إلى منافسة انتخابية، حيث وقف مرشحو المخابرات في مواجهة مرشحين مدعومين من الأمن الوطني، بينما توقفت لجان فجأة وفتحت صناديق وأغلقت وفقًا لمن يملك اليد الطولى في كل دائرة.
الصراع تفجّر بعدما سعت المخابرات إلى تشكيل برلمان يضمن حضورها وهيمنتها في المرحلة المقبلة، في حين رأى الأمن الوطني في ذلك تهديدًا مباشرًا لنفوذه، فقاوم بقوة، لتتحول الدوائر إلى ساحات اشتباك انتخابي بين الأجهزة. تقارير عاجلة وصلت إلى الرئاسة حملت تفاصيل أزمة سياسية وأمنية خطيرة داخل العملية الانتخابية، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل وإنهاء المرحلة الأولى بقرار غير مسبوق: إلغاء نتائج 19 دائرة دفعة واحدة.
تؤكد المصادر أن جذور الأزمة تعود إلى الأحزاب المحسوبة على الأجهزة السيادية: مستقبل وطن كذراع للأمن الوطني، والجبهة الوطنية المقرّبة من المخابرات العامة، وحماة وطن المحسوب على المخابرات الحربية. هذه الأحزاب دخلت الانتخابات وهي تتنازع على النفوذ داخل “القائمة الوطنية من أجل مصر”، حيث اعترض حزب الجبهة وحماة وطن على توسّع مستقبل وطن واعتبرا أن أداءه أضرّ بصورة السلطة بعد تمرير قوانين مثيرة للغضب الشعبي، وطالبا بتقليص نفوذه، لكن الحزب رفض، لتبدأ الأزمة قبل فتح اللجان بأيام.
امتدّ الصراع إلى الإعلام، حيث أصبحت قناة المحور بالكامل تحت تصرف مستقبل وطن بتوجيه من الأمن الوطني، بينما دعمت قناة ON الجبهة الوطنية، وتحوّلت قناة الحياة لمنصة لحزب حماة وطن. في الوقت نفسه، فوجئت عائلات سياسية كبيرة باستبعادها من المشهد، واعتبرت الأمر “إهانة سياسية”. وتشير المصادر إلى أن ما جرى لم يكن إجراءً فنيًا ولا قرارًا إداريًا، بل نتيجة تصدعات حادة داخل النظام وصراع أجنحة على التمثيل داخل البرلمان، في معركة كشفت حجم التوتر بين الأجهزة الأمنية نفسها.
