كتب : محمود مصطفى أبو طالب
03:51 م
21/11/2025
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، ودار موضوعها حول “كف الأذى عن النفس والغير من شعب الإيمان”.
وأكد أن حفظ النفس البشرية مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، ولتحقيق هذا المقصد، جاء الشرع بتدابير تضمن حفظها وصحتها. فقد حرّم الإسلام كل ما يؤذي الإنسان ويضره، مثل: الاعتداء بجميع أنواعه، وأكل الميتة والخنزير والنجاسات، وشرب الخمر وكل ما يضر البدن تحريماً قطعياً. كما وضع الشرع نظاماً يضمن الصحة التامة للإنسان، حيث حدد أوقاتاً للراحة والعمل والترويح عن النفس، وألزمنا بالطهارة والنظافة، فشرع طهارة البدن والثياب خمس مرات في اليوم والليلة، وذلك من خلال الصلاة، فإن تطهر الإنسان للصلاة ينعكس على صحته.
وأشار إلى أن النظافة هي مفتاح الصحة وحماية البدن، مؤكداً أن التشريع الإلهي لم يقتصر على تحريم ما يضر بالصحة ضرراً محققاً فحسب، بل وجه أيضاً بترك ما تتأذى به النفس البشرية، وفي هذا السياق، ذكر الحديث الشريف الذي ينهى عن قربان المساجد بعد أكل الثوم والبصل والكراث، لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس، يقول ﷺ: (مَن أَكَلَ مِن هذِهِ الشَّجرةِ قالَ: أوَّلَ يومٍ (الثُّومِ ) ثمَّ قالَ: الثُّومِ والبصلِ والكرَّاثِ فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإنَّ الملائِكَةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منهُ الإنسُ)، موضحاً أن هذا المنع يتعلق بالروائح الكريهة عند التوجه لمكان اجتماع الناس كالمسجد، وليس لتحريم تناول هذه الأطعمة الحلال، وفي المقابل، يستحب لمن يذهب إلى المسجد التطيب بالروائح الطيبة، تأكيداً على قيمة الطهارة وحسن المخالطة.
وبين أن الشرع جاء بسبل الوقاية وفتح باب الطب والدواء، واستدل على سبق الشريعة في مجال الصحة العامة بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من نادى بالحجر الصحي، واضعاً قاعدة طبية متقدمة في التعامل مع الأوبئة بقوله عن الطاعون: “إذا سمِعْتُم به بأرضٍ فلا تَقدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأرضٍ وأنتم بها فلا تَخرُجوا فِرارًا منه”، وهذا المنع من الخروج لمن هو داخل الأرض الموبوءة يحمل كشفاً طبياً عظيماً، وهو منع انتشار المرض من حامليه الذين لم تظهر عليهم الأعراض بعد (فترة الحضانة)، مما يرسخ مبدأ العزل لحماية المجتمع، وهو دليل على أن هذا التشريع مستمد من علم الحكيم الخبير.
وأوضح أن من يصاب بنزلات البرد وغيرها من الأمراض المعدية يلزمه شرعاً أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإضرار بالآخرين، عبر اعتزال أماكن تجمع الناس أو اتخاذ أقصى أسباب الوقاية عند الاضطرار للخروج، لأن هذا واجب مستند إلى قاعدة “كف الشر عن الناس” المذكورة في الحديث الشريف: “تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ”، كما حذر فضيلته من خطأ بعض الآباء والأمهات الشائع في إخفاء مرض أطفالهم المعدي وإرسالهم إلى المدارس، معتبراً هذا الفعل إيذاءً متعمداً وخيانة تخالف القاعدة الشرعية: “لا ضرر ولا ضرار”.
وفي ختام الخطبة، ختم بقوله إن كان الشرع قد أمر باجتناب تجمعات الناس خوفاً من إيذائهم (كالتخلف عن صلاة الجماعة حال المرض)، فهذا المبدأ ملزم لنا في جميع أمور حياتنا، وعلينا الالتزام بهذا المبدأ الوقائي والتعلم منه لحماية الأفراد والمجتمعات من أي ضرر حتى نكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه”.
